السير لبضعة أمتار فقط كان كافيا لرؤية أثار المهاجرين. في حديقة بودلرعلى بعد مئات الأمتار من شاطئ “غرافلينز” تتناثرعلى الأرض بطانيات نجاة ذهبية اللون وبعض من مخلفات المهاجرين الذين عبروا من هنا.
ووفقا لنائب مسؤول الأمن لدى بلدية غرافولين، “عندما يكون الطقس مشمسا يصل عدد محاولات العبور إلى أربع أو خمس محاولات يوميا، خاصة بين دانكيرك و غرافولين“.
هذه المنطقة الواقعة بين كاليه ودنكيرك لم تشهد مشكلة القوارب المحملة بالمهاجرين قبل عام 2022، لكنها أصبحت منذ ذلك الحين إحدى نقاط العبور الرئيسية لمجموعات المهاجرين الذين يختبئون ليلا في الغابة أو الكثبان الرملية، قبل الإبحار إلى المملكة المتحدة التي تبعد حوالي 30 كيلو مترا.
وتمكن أكثر من 20 ألف مهاجر من عبور المانش في قوارب مطاطية منذ بداية العام، بزيادة تبلغ 48 ٪ عن عام 2024 و75٪ عن عام 2023.
آلان بونيفاس، نائب رئيس البلدية لشؤون الأمن، يتجول في الغابة ويرتدي سترة فيروزية اللون، يتوقف بين الحين والآخر أمام آثار إشعال نيران في مخيمات اللاجئين. في بعض الأحيان ينتظر المهاجرون طوال الليل في الغابة قبل أن يمنحهم المهربون الضوء الأخضر للعبور، وفي هذه اللحظة تحديدا يتجهون إلى الشاطئ ليستقلوا القارب.
هذا النشاط المتواصل للمهاجرين يثير القلق بين سكان البلدة الذين تبلغ أعدادهم 11 ألف نسمة، “بدأ السكان يشعرون بالغضب، فبعضهم يرى حرائق في حدائقهم. ويسمع آخرون طلقات نارية بسبب تصفية الحسابات بين المهربين”.
تشتهر غرافلين بمحطة توليد الطاقة، والتي تعد هي الأكبر في أوروبا الغربية، مما خلق ديناميكية اقتصادية جيدة في المنطقة، وهذا ما أكده عمدة بلدية غرافولين “يأتي الناس للعمل في غرافولين. جميع الشركات التي تؤسس فروعا لها في منطقة دونكيرك تؤسس فروعا لها أيضا في غرافلين. لذا، بطبيعة الحال، كل هذه المشاكل الأمنية لا تؤدي دورا جيدا”.
ويطالب البريطانيون السلطات الفرنسية المعنية بالتدخل أكثر لتطبيق القانون ويريدون سن قوانين جديدة تسمح للشرطة والجيش الفرنسيين بالتدخل في منطقة الساحل حتى عمق 300 متر في البحر. ويبلغ أعداد الشرطة والجيش المعنين بهذا القانون حوالي 1200 ويجب تطبيق هذا القانون تحت إشراف ضابط بحري.
ويشير مارك موسيول، مندوب وحدة الشرطة في مركز شرطة الحدود في “با دو كاليه”، إلى أن “المعدات التي يستخدمها ضباط الشرطة في دورياتهم لمكافحة الهجرة غير الشرعية تزن 10 كيلوغرامات، وهو أمر ليس بالسهل عند الحاجة إلى دخول المياه”. كما أعرب نائب مسؤول الأمن لدى عمدة غرافلين عن تشككه أيضا، قائلاً “هناك خطر وقوع مآسٍ. ونحن، إلى جانب رؤساء البلديات الآخرين، ندعو إلى إنشاء منطقة خالية من المخيمات على الساحل.
ينتشر المهاجرون حاليا بشكل رئيسي في مخيمين، في لون بلاج وكاليه، وفي العديد من المساكن العشوائية والمخيمات غير الرسمية المنتشرة على طول الساحل.
في كاليه، على سبيل المثال، يعيش أكثر من 200 مهاجر، غالبيتهم العظمى من السودانيين، في مستودع برتقالي اللون في شارع مارسيل دوريه، ومن المقرر إخلاء المكان في سبتمبر. صباح هذا الثلاثاء، اصطف بضع عشرات من المهاجرين أمام شاحنة جمعية “سلام”، التي تأتي يوميا لتوزيع الطعام.
تتضمن قائمة الطعام: موز وكعك، وخبز وماء. تقول يولين، البالغة من العمر 66 عاما، وهي متطوعة في الجمعية، “عندما يغادرون بالقوارب، نعلم أنهم يحملون طعاما إضافيا، حتى يتمكنوا من الاختباء في الكثبان الرملية لعدة أيام”.
ووفقا لها، ازداد الضغط على المهاجرين في الأشهر الأخيرة، “إنهم يُخاطرون أكثر فأكثر للوصول إلى إنكلترا. كما أن ظروف المعيشة في المساكن العشوائية أكثر خطورة”.
أما إينوك، وهو إريتري يبلغ من العمر 27 عامًا، ويقيم في كاليه منذ خمسة أشهر، فقد حاول عبور القناة الإنكليزية أربع مرات دون جدوى، يقول “دفعتُ 1400 يورو، والآن لا أملك أي مال. أعتقد أنني سأتقدم بطلب لجوء في فرنسا. لن أسافر إلى المملكة المتحدة”.
بالنسبة لمئات المهاجرين الآخرين على الحدود، الاستسلام أمرٌ غير وارد. ومع توقعات الطقس قي نهاية الأسبوع، تتوقع جهات إنفاذ القانون المزيد من محاولات العبور.
