تشهد الساحة الليبية تصاعدا في التحذيرات السياسية والمخاوف الأمنية في وقت تستمر فيه التحشيدات المسلحة داخل العاصمة طرابلس مما ينذر بمزيد من الانقسام وتهديد الجهود الأممية والدولية الرامية لإيجاد تسوية سياسية شاملة في البلاد.
وأعرب عضو مجلس النواب صالح أفحيمة عن قلق البرلمان إزاء التحركات العسكرية التي تشهدها العاصمة طرابلس مؤكدا أن استمرار التحشيد داخل المدن يزيد من الانقسام ويعطل المساعي التي تقودها بعثة الأمم المتحدة والجهات الدولية لحل الأزمة السياسية.
وقال أفحيمة إن المرحلة الحالية تتطلب التهدئة والانخراط في مشروع وطني جامع يرسخ وحدة المؤسسات ويمهد الطريق لإجراء انتخابات حرة ونزيهة من أجل إنهاء الفترات الانتقالية وتحقيق الاستقرار الدائم في ليبيا.
وفي السياق ذاته، نقلت وكالة أفريكا إنتليجنس أن رئيسة بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا هنا تيته تواجه صعوبات متزايدة في تنفيذ خارطة الطريق الجديدة التي أعلنت عنها في أبريل الماضي في ظل تأخر الجدول الزمني وصعوبة تحقيق توافق بين الأطراف الليبية.
وذكرت الوكالة أن تيته تعول على الجلسة المقبلة لمجلس الأمن الدولي للحصول على دعم دولي يعزز شرعية خطتها مشيرة إلى أنها تسعى لتقديم تصور توافقي يتضمن تعديل هيكل السلطة التنفيذية دون الإطاحة المباشرة برئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة وهو ما تعتبره بعض الأطراف محاولة لمنحه مخرجا سياسيا دون صدام.
وأوضحت الوكالة أن تأجيل طرح خارطة الطريق الجديدة يعكس حجم التعقيدات لا سيما في ظل فقدان التوافق المحلي اللازم لدفع المسار السياسي إلى الأمام.
من جانبه اعتبر النائب محمد العباني أن غياب حكومة موحدة قادرة على فرض النظام على كامل التراب الليبي هو أحد أبرز معوقات بناء الدولة مؤكدا أن حكومة الوحدة تفتقد للشرعية المحلية في حين تفتقر نظيرتها في الحكومة الليبية إلى الاعتراف الدولي.
وأكد العباني أن تشكيل حكومة واحدة برعاية أممية تحظى بقبول مجلسي النواب والدولة قد يكون المخرج الوحيد لكنه لا يلقى قبولا من المجلس الرئاسي وحكومة الوحدة.
وأشار إلى أن السلطة الحقيقية لا تزال في يد الجماعات المسلحة التي تحظى بدعم غير مباشر من مجلس الأمن مما يعقد أي جهود نحو إعادة بناء سلطة تنفيذية موحدة.
وفي ظل هذه الأجواء تصاعدت المخاوف المحلية والدولية من اندلاع صدام مسلح وشيك بين قوات تابعة للدبيبة وجهاز قوة الردع الخاصة داخل العاصمة وهو ما دفع بعثة الاتحاد الأوروبي والبعثات الدبلوماسية للدول الأعضاء إلى إصدار بيان مشترك أعربت فيه عن قلقها العميق من التوترات العسكرية.
ودعت البعثة الأوروبية إلى جانب بعثة الأمم المتحدة جميع الأطراف إلى التهدئة والالتزام بوقف إطلاق النار مشيرة إلى استعداد الاتحاد الأوروبي لدعم أي جهود تسهم في نزع فتيل التوتر.
كما حذرت بعثة الأمم المتحدة من أن أي اعتداءات ضد المدنيين ستقابل بالمحاسبة.
في المقابل أبدت النائبة ربيعة بوراص موقفا حذرا تجاه مقترحات إسقاط الأجسام السياسية القائمة مشيرة إلى أن الإدارة الأميركية في عهد ترمب تركز على التوازنات والصفقات الاقتصادية أكثر من التزاماتها تجاه الديمقراطية وحقوق الإنسان.
وأضافت بوراص أن النجاح الحقيقي لأي خطة تسوية يجب أن يعكس تطلعات الشعب الليبي في بناء دولة موحدة ذات سيادة محذرة من الحلول المفروضة من الخارج التي لا تراعي مصالح الليبيين.
وفي سياق متصل قال الباحث الأميركي بن فيشمان العضو السابق في مجلس الأمن القومي إن لا مؤشرات حقيقية على تغير في السياسة الأميركية تجاه ليبيا واعتبر أن تصريحات ترمب بشأن التسوية كانت عابرة مشيرا إلى أن مستشاره مسعد بولس لم يشارك حتى في مؤتمر برلين الأخير بشأن ليبيا.
وتبقى ليبيا عالقة في مأزق سياسي وأمني مزدوج وسط غياب التوافق المحلي وتزايد تدخلات الخارج فيما تتضاءل فرص التسوية مع استمرار التحشيدات المسلحة في غرب البلاد وتأجيل الاستحقاقات السياسية الأمر الذي يضع البعثة الأممية والمجتمع الدولي أمام تحديات كبرى في إيجاد حل شامل ومستدام للأزمة الليبية.