الأخبار الشاملة والحقيقة الكاملة​

2025-09-10

1:51 صباحًا

أهم اللأخبار

2025-09-10 1:51 صباحًا

دراسة [ الانا والآخر في المرآة ] ” قصص درمشاكي إنموذجا “

01

داود سلمان الشويلي

نشر الأديب / داود سلمان الشويلي _ القاص والروائي والناقد العراقي هذه الدراسة في صحيفة أوروك عددها الثاني والثلاثين بعد المائة وودنا مع القاص الروائي حسين بن قرين درمشاكي في المنصة الليبية الإخبارية لنشر هذه الدراسة وقد زينت قصص درمشاكي القسم الثقافي منذ عام ونيف وعبر القسم النقدي يشرفنا أن تكون هذه الدراسة التحليلية ضمن منشوراتنا .

______________________

   في واحدة من الأمور التي تشغل النقاد، والدارسين، عند النظر في قضية شخوص نص شعري، أو سردي، هو أمر العلاقة بين الشخصية الرئيسية، وبين الشخوص الآخرين، من ناحية التجاذب، والتباعد، وكذلك المشاعر، والأحاسيس، التي تشترك بينهما، كأن تكون الشخصية الرئيسية تنجذب لهذه الشخصية أو لتلك لأسباب كثيرة منها انها تشبهها، أو فيها ميزات تحبها الشخصية الرئيسية، والعكس صحيح .

   في سطورنا هذه سنقدم الشخصية الرئيسية للنص، وعلاقتها بنفسها عندما تكون في وضع ليس الوضع الذي فيه تلك الشخصية. أماما نصوصا من القصص القصيرة جدا للقاص الليبي حسين بن قرين  درمشاكي سنتفحصها جيدا لنرى الأمر الذي نبحث عنه فيها، إذ هناك أكثر من عشر نصوص قصيرة جدا موضوعها الشخصية، والمرآة ، التي تنعكس فيها ، أو عليها.

   يستخدم القاص في نصوصه المرآة التي يصفها في احدى النصوص على انها “بوابة الأرواح”، إذ تنعكس فيها كل الشخصيات التي تتراءى فيها فتتحول في المرآة إلى شخصية غير الشخصية التي تتراءى في المرآة، وأرى ان هذا اسلوب جديد يقدمه القاص درمشاكي لرؤية نفسيات شخوصه.

1- نص (استنساخ):

   ((ولدَ وحيدًا؛ تكاثرَ في المرآةِ.)).

   المرآة هنا تأخذ لها وظائف عدة أهمها وظيفتها الأساسية، وهي الانعكاس، ومنها وظيفة التشظي لأسباب كثيرة، وهنا في هذا النص تشتغل المرآة لأداء وظيفة وحيدة هي التشظي، والتشظي يأتي لأسباب ذات طابع ايجابي، ومنها ذات طابع سلبي، والنص لا يفيدنا لمعرفة أيهما هو الصحيح، الايجابي أم السلبي، ويبقى المعنى في قلب (الشاعر)، القاص.

*

2- النص ( وهم):

   ((نظر في المرآة؛ وجد غريبا يحدق بها.)).

   هكذا يبدو الانسان غير السوي لأسباب كثيرة، انه يرى انسانا غريبا عنه.

*

3 – نص (مفارقة):

   ((أشرق ثغره بابتسامة طفولية عريضة. حين تصدعت صورته في المرآة، لم يتألم. رأى في كل شظية وجهًا آخر له، كل منها يحمل تعبيرًا مختلفًا.)).

   عندما تنكسر المرآة تتشظى إلى شظايا صغير فتعكس الخارج عنها إلى نتف من الصور المرئية، وخاصة الرأس، وهذا ما كان يحدث في الواقع إلا ان النص يرمز إلى شيء أكبر من هذا هو تشظي نفسية الرائي فيها، وخاصة رأسه إذ حملت كل صورة رأس التفكير الخاص بذلك الرأس، والنتيجة دارت في رأسه أفكار، وأفكار. و تعني أن شخصًا ما كان يفكر بكثافة، فتواردت عليه أفكار متعددة. انه  تفكير عميق أو القلق أو حتى فيه حيرة. انها كثرة الأفكار، وتتابعها.

*

4 – نص (إبتلاع):

   ((في ظلامٍ موغلٍ، عثر آسر على مرآةٍ، ليست زجاجًا بل صدى أرواح. جمع قطعها بشغفٍ جنونيٍّ، فابيضّ شعره وشاخت ملامحه. لم يرَ وجهه، بل أشباحًا تنهش روحه. اكتملت المرآة، انشقت فجأةً، كفوهة جحيم. لم يرَ انعكاسه، بل فراغًا أسود يبتلعه. صرخ صرخةً، تلاشى، وقبيل الفناء، لمح عينيه فارغتين، ميتتين، في قاع العدم. المرآة لم تعكس الأرواح قط، بل التهمتها؛ وكلما جمع قطعةً، أضاف جزءًا من ذاته.)).

   هكذا تبدو حياة هذه الشخصية، انها حياة متشظية لا واحدة، وكلما أراد جمعها تتشظى ثانية حتى باتت عيناه فارغتان، وغابت روحه عنه بوجود المرآة التي في تفكيره المشوش، والمتبلبل.

*

5 – نص (شبح):

   ((بذهولٍ شديد، نظر إلى المرآة المعلَّقة؛ فتراءى له انعكاسٌ لشخصٍ سواه يرتدي ملابسه. للحظةٍ عابرة، ارتعش ضوءٌ خافتٌ في زاويةِ عينيه، كأنَّ شبحًا آخر يحاول التجسُّد. وخزٌ باردٌ سرى في عموده الفقري.)).

   في هذه المرآة يمكن التلاعب بالشخصية، وغيرها، وهذا يحدث بالفعل(1) فشخصية القصة أوّل ما ترى انعكاس رجل سواها، هكذا بدا له، إلا انه بعد فترة ليست بالطويلة، ومن خلال ارتعاش في بدنه رآى نفسه، وهو يتجسد في المرآة، إذن هذه هي لعبة المرآة.

*

6 – نص (سراب المرآة):

   ((حدقت في المرآة. امتدت يدها نحو انعكاسٍ شاحبٍ يتلاشى كزفيرٍ أخير. وفجأةً، انسلّت روحها، لا كخيطٍ، بل كصرخةٍ مكتومةٍ

عبر الزجاج، لتغرق في بحرٍ من العدم، حيث ابتلعها نداء شوقها العميق. عادت لوعيها فجأةً، لا لتجد زجاجًا، بل جدارًا من الصمت يطوي وجودها. من عمق المرآة الخاوية، انبعثت كلماتٌ محفورة بالدمع: “لم تكوني سوى حلم المرآة… وها أنا أستيقظ.” ثم اختفى كل شيء.)).

   المرآة ذاتها، وهي فاعلة، تصور المرأة في داخلها بحال ليس حال المرأة الأولى، الشخصية الرئيسية للنص، انها انعكاس لها لكنه انعكاسا مغايرا لا كما نراه نحن في المرآة إذ لا تغير في أي شيء، إلا في هذا الانعكاس الذي يصور صراخها الذي لم تصرخه في الواقع، وهو يختفي فجأة.

*

7 – نص (المرآة الأخيرة):

   ((مدّت يدها نحو المرآة العتيقة، لا لترى انعكاسها، بل لترنو إلى فجوة، محاولةً اختراق حجاب وهمي يتخطى خطوط الزمن على محياها.

   في كل مساء، حين يُسدل الظلام ستائره الثقيلة، كانت تتسلل إلى غرفتها، حيث المرآة المستديرة التي ورثتها عن جدتها. همست الجدة ذات يوم، بصوت يلفه الغموض، أنها “بوابة الأرواح”. تأرجحت الفكرة بين كونها خرافة وتصديقًا.

   الليلة، كان الشوق إليها لا يُطاق. وجهها في المرآة كان ضبابيًا، تحجبه غشاوة الذكريات الكثيفة، كأنما ملامحها الغضة وضحكاتها المندثرة تستعد للتبلور من خلف الحجب. دفعت يدها، لا لتلامس السطح البارد، بل لتجتازه. شعرت بلسعة خفيفة، ثم اكتسحها دفء غامر وكأنها تغوص في رحم سائل دافئ.

    في تلك اللحظة، اضمحلت غرفتها. اختفت الجدران، وتلاشت الألوان. وجدت نفسها في حديقة غناء، تزهر فيها أزهار بألوان لم ترها عين، وتصدح طيور بألحان لم تطرق سمعًا. كانت ترتدي فستانًا أبيض ناصعًا، خفيفًا كالحلم، تداعبه نسمات رقيقة. ركضت بين الأزهار، والبسمة تعلو شفتيها لأول مرة منذ أمد بعيد.

   ثم لمحته. كان يقف تحت شجرة ياسمين، يرقبها.     ملامحه كانت جلية، لم يمسسها غبار الزمن، وكأنما خُلق لتلك اللحظة. ركضت إليه، ورمت بنفسها بين ذراعيه، وكأنها تعود إلى وطنها بعد غربة طويلة. همس في أذنها بكلمات لم تتمكن من استعادتها في عالم اليقظة، لكنها هنا، انسابت إلى قلبها كجدول ماء عذب.

   غمرها سكون لم يعرفه قط. تمنت لو يتوقف الزمن عند تلك اللحظة، وتبقى هنا إلى الأبد. تبخرت هموم عالمها السابق وأحزانه. فقط هي وهو، يتشابكان في أبدية الحديقة.

   فجأة، انتابتها برودة شديدة، تلاها ضوء ساطع أعمى بصرها. فتحت عينيها لتجد نفسها أمام المرآة. كانت يدها لا تزال ممدودة، تلامس سطح الزجاج البارد. لكن هذه المرة، لم يكن انعكاسها هو ما تراه.

   كانت المرآة فراغًا يبتلع كل ضوء. ثم، من العدم، تشكلت كلمة واحدة على سطحها الأسود اللانهائي، محفورة بدماء سوداء: “أهلاً بكِ في الجانب الآخر.”)).

   كان حلما، وهي تدخل المرآة، أي صورتها المنعكسة في المرآة، فتتراءى لها نفسها التي تركض خلف حبيبهاـ إلا انها تستفيق من حلم اليقظة هذا على صوت المرآة، وهو صوتها،”أهلاً بكِ في الجانب الآخر.”.

8 – نص (أزهار للظل):

   ((تثاقل الضباب كشفق رمادي فوق الأزقة الحجرية المبللة، يلف أطراف المباني العتيقة بوشوشة صمت. سار الرجل، ظل بلا ملامح، يحمل باقة زهور ذابلة، كأنها نبض أخير لذكرى محتضرة. خلفه، تلاشت خطوات ظلين آخرين في عمق العدم.

   تناثرت أوراق الخريف المحمرة كدماء قديمة على الرصيف، تعكس لوعة الأيام الغابرة. وصل إلى جسر قديم، حيث جثم نصف تمثال لرأس بشري، عيناه مطبقتان في سبات أبدي، وبجانبه جمجمة باهتة، شاهدة صامتة على فناء محتم.

   توقف الرجل، وأسقط الزهور برفق فوق الرأس المكسور. وفي لحظة سكون مفاجئة، رفع يده إلى قبعته، كأنه يحيي نفسه في مرآة منكسرة، ليدرك أن عيني التمثال المغمضتين كانتا عينيه، وأن الجمجمة لم تكن سوى صدى ضحكته الميتة.((.

   الشخصية الرئيسية، وشخصية رأس التمثال “مجازا”، هما شخصية واحدة، الأوّل في الحياة، والثاني في المرآة، أي ان حاله قد تبدل إلى حال أخرى. الشخصيتان في تقابل وجودي، رغم وهم المرآة المنكسرة،  وعلى مستوٍ واحد، إلا ان المرآة المنكسرة هي التي تصور الواقعة تلك، وكأن الخيال يلعب لعبته فيها.

9 – نص (المرآة الأخيرة):

   ((مدّت يدها نحو المرآة العتيقة، لا لترى انعكاسها، بل لترنو إلى فجوة، محاولةً اختراق حجاب وهمي يتخطى خطوط الزمن على محياها.

   في كل مساء، حين يُسدل الظلام ستائره الثقيلة، كانت تتسلل إلى غرفتها، حيث المرآة المستديرة التي ورثتها عن جدتها. همست الجدة ذات يوم، بصوت يلفه الغموض، أنها “بوابة الأرواح”. تأرجحت الفكرة بين كونها خرافة وتصديقًا.

   الليلة، كان الشوق إليها لا يُطاق. وجهها في المرآة كان ضبابيًا، تحجبه غشاوة الذكريات الكثيفة، كأنما ملامحها الغضة وضحكاتها المندثرة تستعد للتبلور من خلف الحجب. دفعت يدها، لا لتلامس السطح البارد، بل لتجتازه. شعرت بلسعة خفيفة، ثم اكتسحها دفء غامر وكأنها تغوص في رحم سائل دافئ.

   في تلك اللحظة، اضمحلت غرفتها. اختفت الجدران، وتلاشت الألوان. وجدت نفسها في حديقة غناء، تزهر فيها أزهار بألوان لم ترها عين، وتصدح طيور بألحان لم تطرق سمعًا. كانت ترتدي فستانًا أبيض ناصعًا، خفيفًا كالحلم، تداعبه نسمات رقيقة. ركضت بين الأزهار، والبسمة تعلو شفتيها لأول مرة منذ أمد بعيد.

   ثم لمحته. كان يقف تحت شجرة ياسمين، يرقبها. ملامحه كانت جلية، لم يمسسها غبار الزمن، وكأنما خُلق لتلك اللحظة. ركضت إليه، ورمت بنفسها بين ذراعيه، وكأنها تعود إلى وطنها بعد غربة طويلة. همس في أذنها بكلمات لم تتمكن من استعادتها في عالم اليقظة، لكنها هنا، انسابت إلى قلبها كجدول ماء عذب.

   غمرها سكون لم يعرفه قط. تمنت لو يتوقف الزمن عند تلك اللحظة، وتبقى هنا إلى الأبد. تبخرت هموم عالمها السابق وأحزانه. فقط هي وهو، يتشابكان في أبدية الحديقة.

    فجأة، انتابتها برودة شديدة، تلاها ضوء ساطع أعمى بصرها. فتحت عينيها لتجد نفسها أمام المرآة. كانت يدها لا تزال ممدودة، تلامس سطح الزجاج البارد. لكن هذه المرة، لم يكن انعكاسها هو ما تراه.

كانت المرآة فراغًا يبتلع كل ضوء. ثم، من العدم، تشكلت كلمة واحدة على سطحها الأسود اللانهائي، محفورة بدماء سوداء: “أهلاً بكِ في الجانب الآخر.”)).

   تذكرنا هذه القصة بإحدى الحكايات الشعبية، وهي ذات طابع خرافي.

   في هذه القصة يعمل مخيال شخصية القصة بصورة نشيطة في أن يلج سطح المرآة ليعيش في عالم سحري، ثم يعود ثانية لواقعه المر، إذ ينتهي الحلم.

*

10 – نص (( صقيع الذاكرة

   في محرابه، نحتَ وجهها بدقةٍ بالغة. كلما أذابَ جليدَ النسيانِ، تراءت تفاصيلها كاملة. اقترب ليتأمل عينيها، فارتطمت يده بالمرآة؛ لم يكن ينحت وجهها، بل شقائق وجهه هو في مرآة مهشّمة.)).

   هكذا يذوب وجهه في وجهها، ووجهها في وجهه، في المرآة، وهذا يذكرنا بوحدته التي تحدثنا عنها في دراستنا “الشخصية المنزوية المتوحدة في القصة “قصص درمشاكي إنموذجا”

*

   في النصوص السابقة للقاص درمشاكي نستنتتج الآتي:

– المرآة تلعب لعبتها مع من يتراءى فيها.

– خيال الشخصية يلعب لعبته الكبيرة، فهو خيال نشط، وحركي، وغير كسول.

   المرآة، والخيال، يتضافران على شخصية النص، فينعكس هذا التضافر على الشخصية ذاتها فتجد نفسها انها في زمن وجيز، غير معروف وقته، قد فقدت نفسها، ثم تعود ثانية.

   هكذا أراد درمشاكي لأبطاله أن يكونوا. انهم شخوص حالمين، ومبلبلي التفكير، وهذا نوع مهم من أنواع أبطاله.

_________________

الهوامش :

1 – وهذا ما حدث لي وأنا شاب، وقد دونته في مذكراتي التي نشر قسم منها في جريدة أوروك ع/ 122 في 21/1 /2025ذكرياتي السردية (صديقي دعبل) .

شارك المقالات:

مواقيت الصلاة

حالة الطقس

حاسبة العملة

PNFPB Install PWA using share icon

For IOS and IPAD browsers, Install PWA using add to home screen in ios safari browser or add to dock option in macos safari browser

Manage push notifications

notification icon
We would like to show you notifications for the latest news and updates.
notification icon
You are subscribed to notifications
notification icon
We would like to show you notifications for the latest news and updates.
notification icon
You are subscribed to notifications