تتسارع الأحداث السياسية في ليبيا وسط حالة من الجمود والانقسام حيث تصاعدت حدة التصريحات والبيانات من مختلف الأطراف المحلية بالتوازي مع تحركات إقليمية ودولية متزايدة تهدف إلى بلورة مخرج للأزمة إلا أن تلك الجهود تواجه برفض واسع من فعاليات ليبية تعتبرها تدخلات تزعزع الاستقرار الوطني وتكرّس الانقسام.
وفي مدينة بني وليد، اختتم ملتقى الفعاليات الليبية الذي دعت إليه قبائل ورفلة ببيان ختامي أعلن فيه المجتمعون رفضهم الكامل للشرعيات السياسية الحالية معتبرينها “واهية ومتآكلة” ومؤكدين عدم اعترافهم بأي كيان “يقتات من فتات الخارج” وفق تعبير البيان.
وشدد البيان على رفض ما وصفه بحكم الفنادق والمخابرات الأجنبية معلنا انحيازه للخيار الرابع ضمن مقترحات اللجنة الاستشارية التابعة لبعثة الأمم المتحدة باعتباره المسار الوحيد القابل للتطبيق.
ودعا الملتقى إلى تشكيل لجنة تأسيسية تتولى مهام الأجسام السياسية الحالية وتكليف رئيس المحكمة العليا بإدارة مرحلة انتقالية تُفضي إلى انتخابات رئاسية وتشريعية مطالبا بإعادة الاعتبار للإرادة الوطنية ورفض التدخلات الخارجية.
وفي سياق متصل أصدرت تنسيقية الأحزاب والتكتلات السياسية بيانا رفضت فيه تحركات مؤسسات غير ليبية وعلى رأسها “مركز الحوار الإنساني” في جنيف متهمة إياه بطرح “مقترحات موازية ومشبوهة” تهدف إلى عرقلة مخرجات اللجنة الاستشارية وتعميق الأزمة.
ودعت التنسيقية الشعب الليبي إلى الالتفاف حول المقترحات الوطنية ورفض أي تدخل خارجي يعيد إنتاج الأزمة بشكل جديد.
وفي محور مواز تصاعد التوتر داخل المؤسسات الرسمية حيث نفت رئاسة المجلس الأعلى للدولة في بيان رسمي صحة التزكيات المنسوبة لأعضائه بشأن ترشيحات لرئاسة الحكومة الجديدة.
وأكد المجلس أنه لا يعترف بأي ترشيحات أو مراسلات تتم خارج الأطر القانونية والرسمية المعتمدة مشددًا على أن النظر في ملفات الترشح يتم فقط داخل جلسات مكتملة النصاب وتحت إشراف الرئاسة.
ورفض المجلس اعتماد أي تزكيات منسوبة إليه من جهات خارجية بمن في ذلك مجلس النواب، ما لم تكن موثقة بمحاضر رسمية.
ورغم هذا الرفض، شهد مقر المجلس الأعلى للدولة في طرابلس اجتماعا جمع رئيس المجلس خالد المشري مع عدد من المترشحين لرئاسة الحكومة الجديدة، وذلك بعد إحالة تزكياتهم من قبل مجلس النواب.
وحضر الاجتماع النائب الثاني لرئيس المجلس وعدد من المسؤولين حيث تم بحث التحديات التي تواجه الانتخابات وخطوات تشكيل حكومة موحدة مع التأكيد على مراجعة التزكيات المقدمة قبل نهاية الأسبوع الجاري.
من جهته صرح عضو مجلس النواب عبد المنعم العرفي بأن مشاورات تشكيل حكومة موحدة بين مجلسي النواب والدولة باتت في مراحل متقدمة بدعم من البعثة الأممية مرجحًا أن يكون مقر الحكومة الجديدة خارج العاصمة طرابلس وتحديدًا في مدينة سرت نظرا لسيطرة مجموعات مسلحة على العاصمة.
أما الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور فقد دخلت هي الأخرى على خط الأزمة حيث اتهم رئيسها مراجع نوح بعثة الأمم المتحدة بتجاهل مسودة الدستور وعدم طرحها للاستفتاء معتبرا أن استمرار تجاهل المسار الدستوري يزيد من تعقيد المشهد السياسي وأكد على أهمية منع التمييز بين الليبيين في الترشح والانتخاب محذرا من الركون إلى قوى أجنبية “غير عربية”.
وتعليقا على الوضع الأمني أكد عضو مجلس الدولة أحمد همومة أن العاصمة طرابلس شهدت خلال السنوات الأخيرة نموًا عشوائيًا للمليشيات المسلحة بدعم قبلي ومناطقي مشيرا إلى أن هذه الجماعات أصبحت عصا تستخدم ضد الحكومة نفسها.
وقال إن الاستقرار الأمني شرط أساسي لتقدم المسار السياسي والاقتصادي، داعيًا إلى حلّ هذه التشكيلات المسلحة ودمجها ضمن مؤسسات الدولة أو حلّها نهائيا.
وفي خضم كل هذه التطورات تبقى جهود توحيد المؤسسات وتشكيل حكومة جديدة أمام تحديات جسيمة أبرزها الانقسام الداخلي والنفوذ المسلح وتضارب الأجندات المحلية والدولية في وقت ينتظر فيه الشارع خطوات حقيقية نحو الاستقرار بعيدا عن دوامة المماطلة والمصالح الضيقة.
