مجد العماري
كانت رائحة الزعفران المحمص تختلط بغبار السوق القديم في مراكش. وقفت “ليا” تلاحظ كيف يلتصق العرق بظهر الرجل العجوز الذي يبيع الجِرار النحاسية، بينما كانت أصابعها تلمس قماش الخيمة المخططة بخفة، كمن يخشى إيقاظ ذكرى. جرحها القديم فوق الترقوة نبض تحت شالها الصوفي.
“تبحثين عن الطريق إلى الصحراء؟” سألها صبيٌّ يحمل صينية شاي منعنّج. عيناه تشبهان بئرًا جافة في قرية مهجورة.
أومأت . في حقيبتها رسالة من أمها لم تفتحها منذ أسبوعين. خطواتها على الحجارة الملساء كانت تصدر صوتًا يشبه سحق أوراق التبغ الجافة.
في مقهى خافت الإضاءة، قدم لها الشيخ “إدريس” الشاي في كأس متشققة. “الغرباء يبحثون دائمًا عن شيء اختفى من هنا… أو هناك” قال بابتسامة تظهر فراغًا بين أسنانه الأمامية. يداه المرتعشتان كانتا تحكّان نقشًا قديمًا على الجدار.
في الليل، بينما كانت القافلة تعدّ الجمال للرحيل، سمعت امرأةً تنوح خلف جدار من الطين. لم يكن البكاء حادًا، بل كهدير ماء تحت أرض قاحلة. قبضت على حبة الياسمين التي ألقاها لها الصبيّ السابق، فشعرت بلسعة صغيرة حيث اخترق الشوك جلدها.
“لماذا تفرّين من السؤال الذي يلاحقك؟” سألها مرشد القافلة ذات صباح، بينما كان يربط حبلًا حول سنام جمل عنيد. رائحة روث الحيوانات اختلطت برائحة زيت اللوز في شعرها.
أجابت بصمت. في حلم الليلة السابقة، رأت والدها الميت يجلس على كرسي مهترئ في محطة باصات مهجورة، يمسك بتذكرة ممزقة بين أصابعه المنتفخة من السكر.
“كل مسافر هو شبح يبحث عن جسد” همست المرأة بينما كانت توشم ظهر يد “ليا” برسمة صغيرة تشبه طائرًا ناقص الجناح.
عند الفجر، بينما كانت القافلة تستعد للعودة، بقيت “ليا” تحدق في الأفق حيث تذوب الرمال في زرقة السماء. في جيبها رسالة أمها التي فتحتها أخيرًا ليلًا، تحت ضوء القمر الذي كان يشبه شفرة مكسورة. الكلمات كانت عادية: أسئلة عن الطقس، تحذيرات من البرد، إلحاح خجول لزيارة.
رمت الرسالة في ريح الصحراء التي حملتها كورقة تضرع مهترئة. لكن حين التفتت، رأت الصبيّ حامل الشاي واقفًا على تلّة بعيدة، يلوح لها بيدٍ واحدة بينما الأخرى ممسكة بغصن ياسمين بري. لم تعرف إن كان يودعها أو يستدعيها.
