تشهد ليبيا تطورات سياسية متسارعة وسط استمرار الانقسام المؤسسي وتعثر المسار الانتخابي في وقت تتكثف فيه التحركات المحلية والدولية لإنهاء الأزمة التي ألقت بظلالها على كافة مناحي الحياة في البلاد.
وفي هذا السياق، استقبل رئيس مجلس النواب المستشار عقيلة صالح، مستشار الرئيس الأمريكي لشؤون الشرق الأوسط وأفريقيا، مسعد بولس، في مقر صندوق التنمية وإعادة إعمار ليبيا بمدينة بنغازي، حيث عرض رؤيته لمعالجة الوضع السياسي الراهن.
أوضح صالح أن حكومة الوحدة لم تنفذ المهام التي كلفت بها وعلى رأسها تنظيم الانتخابات، لافتًا إلى أن قبولها جاء على أساس مهمة محددة لكنها أخفقت في تنفيذها، بل تسببت في اتساع دائرة الفساد، ووجّه اتهامات مباشرة لها وللمجلس الرئاسي بالمجيء عبر اتفاق جنيف الذي قال إنه شابته شبهات فساد ورشاوى. كما انتقد رئيس البرلمان الإنفاق المالي غير المسبوق من قبل الحكومة، مؤكدا أن نحو 450 مليار دينار صُرفت دون أن تنعكس في شكل إنجازات، خصوصا في العاصمة طرابلس، مقابل تهميش واضح للمنطقة الشرقية.
وأشار إلى أن الحكومة الحالية فشلت كذلك في فرض الأمن، وقال إن سيطرتها لا تتجاوز “شارعا واحدا في طرابلس”، مقابل ما وصفه بسيطرة شبه تامة للقيادة العامة للقوات المسلحة على نحو 90% من الأراضي الليبية. وبناءً على هذه المعطيات، شدد عقيلة صالح على أن الحل يكمن في تشكيل سلطة تنفيذية موحدة تملك القدرة على إعادة الاستقرار، والدفع نحو انتخابات عامة في أسرع وقت ممكن، مؤكدًا أن دعم القيادة العامة للجيش لهذا المسار هو أمر حيوي لضمان نجاحه.
زيارة المسؤول الأمريكي أثارت ردود فعل من مختلف الأطراف، حيث اعتبر عضو مجلس النواب علي التكبالي أن لقاءات مسعد بولس في شرق البلاد تعكس تحولًا في الموقف الأمريكي تجاه الأزمة الليبية، وتؤشر إلى رغبة واضحة في التدخل الإيجابي عبر دعم تشكيل حكومة موحدة بالتنسيق مع الجيش الوطني مؤكدًا أن واشنطن تدرك الدور المحوري للجيش في فرض الأمن وتحقيق الاستقرار.
في المقابل، لا تزال الأزمة داخل المجلس الأعلى للدولة تُلقي بظلالها على المسار السياسي، إذ تصاعد الخلاف بين رئيس المجلس خالد المشري ومنافسه محمد تكالة بشأن شرعية رئاسة المجلس، وسط اتهامات متبادلة بعدم الالتزام بنتائج الانتخابات الداخلية.
وأكد المشري أنه لن يشارك في أي جلسة انتخابية ما لم تكن محصنة، مشيرًا إلى غياب التوافق الحقيقي، فيما أعلن عضو المجلس محمد معزب عن جلسة ستُعقد لاختيار رئاسة جديدة بحضور أكثر من 100 عضو، خارج المقار الرسمية، وبمراقبة البعثة الأممية والمفوضية العليا للانتخابات.
الدور الدولي في دعم المسار السياسي الليبي برز من خلال لقاء المبعوثة الأممية هانا تيته بسفير جمهورية التشيك لدى ليبيا، حيث شدد الجانبان على ضرورة بناء مؤسسات قائمة على سيادة القانون، وتعزيز التنسيق الدولي بناءً على نتائج اجتماع لجنة المتابعة الدولية في برلين.
كما التقت تيته بالمستشار الأمريكي مسعد بولس الذي أعرب عن سعادته بلقاء البعثة الأممية، مؤكدًا أهمية دفع العملية السياسية إلى الأمام بالتعاون مع جميع الأطراف الليبية.
وفي سياق موازٍ، جدد مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقي دعمه الكامل للوحدة الوطنية الليبية، مشددًا في بيان رسمي على تمسكه بسيادة ليبيا وسلامة أراضيها، وضرورة التوصل إلى تسوية سلمية شاملة عبر عملية سياسية يقودها الليبيون أنفسهم تحت مظلة الأمم المتحدة.
أما على المستوى الأمني، فقد اختتم قائد عملية “إيريني” الأوروبية، الأدميرال فالنتينو رينالدي، زيارة لطرابلس برفقة سفير الاتحاد الأوروبي نيكولا أورلاندو، وشملت مباحثاتهما التأكيد على تنفيذ حظر السلاح المفروض من مجلس الأمن، ومكافحة تهريب الوقود والبشر، وتعزيز الأمن البحري بالتعاون مع السلطات الليبية.
وفي ظل تصاعد الأزمة الإنسانية في غزة، نفت السفارة الأمريكية في ليبيا بشكل قاطع وجود أي نية لنقل سكان غزة إلى ليبيا، ووصفت الشائعات المتداولة بأنها تحريضية وكاذبة، محذرة من استغلال الأوضاع الإنسانية لترويج مشاريع توطين بديلة.
تتداخل في المشهد الليبي الراهن أبعاد سياسية وأمنية واقتصادية وتعكس التحركات الإقليمية والدولية رغبة في إنهاء الانقسام ودفع الأطراف نحو تشكيل سلطة موحدة تمهد الطريق لانتخابات وطنية شاملة.
ومع ذلك، تبقى العقبات الداخلية، المتمثلة في الخلافات القانونية والصعوبات الأمنية في المنطقة الغربية وانعدام الثقة بين الأطراف، عائقًا حقيقيًا أمام الوصول إلى تسوية مستقرة.