في تطور أثار موجة من الإحباط وخيبة الأمل في الأوساط السودانية، أُلغي الاجتماع المرتقب للجنة الرباعية الدولية بشأن السودان، والذي كان من المقرر عقده في العاصمة الأميركية واشنطن يوم الأربعاء، برئاسة وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، وبمشاركة وزراء خارجية المملكة العربية السعودية ومصر والإمارات العربية المتحدة. وقد علّقت القوى المدنية المناهضة للحرب آمالًا كبيرة على هذا الاجتماع، باعتباره فرصة حاسمة لإصدار قرارات من شأنها الدفع نحو وقف إطلاق النار، وتحسين الأوضاع الإنسانية، وفتح مسار سياسي جديد يعيد البلاد إلى طريق الانتقال المدني.
وفي هذا السياق، صرّح عز الدين الصافي، المستشار الأول لقائد قوات الدعم السريع، بأنه لا توجد معلومات لدى قواته بشأن دوافع تأجيل الاجتماع، معربًا عن تطلعه إلى أن تلعب إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب دورًا محوريًا في وقف الحرب، بالتنسيق مع حكومة السلام والوحدة التي يقودها تحالف السودان التأسيسي المعروف اختصارًا بـ”تأسيس”.
وأوضح الصافي في تصريح خاص لـ”الشرق الأوسط” أن حكومة السلام بصدد طرح مشروع متكامل يهدف إلى إنهاء جميع الحروب وتحقيق السلام وإعادة الإعمار، مشيرًا إلى أن الحكومة ستجري مشاورات شاملة مع جميع الشركاء الإقليميين والدوليين حول هذه القضايا. ورغم أهمية الاجتماع، لم تُوجه الدعوة إلى الجيش السوداني أو قوات الدعم السريع أو أي تكتل مدني لحضوره، في وقت ظهرت فيه مواقف معارضة من الإسلاميين المتحالفين مع الجيش السوداني تجاه انعقاد الاجتماع.
من جانبها، أفادت مصادر سياسية سودانية بأن الاجتماع المؤجل كان يحمل أهمية استراتيجية للسلام في السودان والمنطقة، وأن اتخاذ أي قرار بشأن وقف إطلاق النار كان سيشكل أداة ضغط فعالة على الأطراف المتحاربة. وأضافت أن لقاء القوى الإقليمية ذات المصلحة في إنهاء الحرب، إلى جانب الثقل الأميركي في هذا الملف، كان من شأنه أن يفضي إلى توحيد المواقف وإطلاق مبادرة تشجع الجيش السوداني وقوات الدعم السريع على الانخراط في عملية سياسية شاملة.
وأشارت المصادر إلى أن التوقعات كانت تشير إلى إمكانية توصل الإدارة الأميركية، بالتنسيق مع السعودية والإمارات ومصر، إلى صيغة نهائية وملزمة للأطراف السودانية بشأن وقف فوري لإطلاق النار، إلا أن الإلغاء المفاجئ للاجتماع شكل صدمة للشارع السوداني، الذي كان يأمل في أن يسفر اللقاء عن رؤية واضحة لإنهاء الحرب وتحقيق السلام. ورأت المصادر ذاتها أن فرص نجاح اجتماع واشنطن في وقف الحرب كانت تبدو واعدة أكثر من أي وقت مضى، لكنها اعتبرت أن الجانب الأميركي لم يمارس الضغط الكافي، أو أن التحضيرات للاجتماع لم تكن بالمستوى المطلوب.
وفي تصريحات أدلى بها كبير مستشاري الرئيس الأميركي لشؤون أفريقيا، مسعد بولس، أكد أنه لا يوجد حل عسكري للصراع في السودان، وأن الإدارة الأميركية تجري اتصالات مباشرة وغير مباشرة مع طرفي النزاع، الجيش وقوات الدعم السريع، بشأن الاجتماع. ولم تستبعد المصادر التي تحدثت لـ”الشرق الأوسط” إمكانية تحديد موعد جديد للاجتماع في وقت قريب، شريطة تجاوز التباينات بين دول الرباعية حول الموقف من الحرب السودانية، وهي التباينات التي كانت قد تسببت سابقًا في فشل مؤتمر لندن خلال شهر أبريل الماضي.
وبحسب المصادر، فإن نجاح أي اجتماع مستقبلي يتوقف على مدى التوافق الإقليمي والدولي بين دول الرباعية بشأن ترتيبات وقف إطلاق النار، وما يتبع ذلك من عملية سياسية تشمل جميع الأطراف السودانية، بما يضمن الوصول إلى تسوية شاملة ومستدامة للنزاع.
في بيان سياسي يعكس تصاعد القلق من تعقيدات المشهد السوداني، أعلن التحالف المدني الديمقراطي لقوى الثورة “صمود”، بقيادة رئيس الوزراء السوداني السابق عبد الله حمدوك، أن البلاد دخلت مرحلة جديدة من الانقسام السياسي، مع بروز سلطتين متنازعتين في مدينتي بورتسودان ونيالا، واصفًا هذا التطور بأنه بالغ الخطورة ولا يمكن تجاهل تداعياته على مستقبل السودان واستقراره. وأكد التحالف في بيان نُشر عبر صفحته الرسمية على موقع فيسبوك أن موقفه الثابت يتمثل في عدم الاعتراف بشرعية أي سلطة قائمة في السودان منذ انقلاب أكتوبر 2021، مشددًا على أن الأولوية القصوى في الوقت الراهن يجب أن تتركز على وقف الحرب ومعالجة الأزمة الإنسانية، بدلًا من الانخراط في تشكيل حكومات جديدة من شأنها تعقيد الوضع أكثر.
وأشار التحالف إلى أن هذه التطورات تأتي في ظل تصاعد الجهود الدولية والإقليمية الرامية إلى إنهاء الحرب الدائرة في السودان، معربًا عن أمله في أن تسفر تلك المساعي عن وقف فوري لإطلاق النار، وفتح ممرات آمنة لإيصال المساعدات الإنسانية، وضمان حماية المدنيين، بما يسهم في تخفيف المعاناة عن ملايين السودانيين الذين تسببت الحرب في تدمير حياتهم ومصادر رزقهم. وفي إطار دعمه للمبادرات الدولية، أفاد التحالف بأنه بعث برسائل رسمية إلى وزراء خارجية الدول الأعضاء في اللجنة الرباعية الدولية، رحّب فيها بالمبادرة المطروحة، معتبرًا أنها تمثل خطوة مهمة نحو إنهاء معاناة الشعب السوداني، ووضع حد للأزمة الإنسانية المتفاقمة التي تعصف بالبلاد.
ومنذ اندلاع الحرب في السودان، أبدت الولايات المتحدة قلقًا متزايدًا إزاء تداعيات النزاع على أمن منطقة الشرق الأوسط، لا سيما أمن البحر الأحمر، الذي يُعد من المصالح الاستراتيجية الحيوية لواشنطن.