علي فهمي خشيم
(هما رحلتان … استغرقت إحداهما أغلب سنوات العمر ولم تدم الأخرى أكثر من عشرة أيام ….. بدأتْ الأولى مع بداية طلب العلم ، حين ولجتُ باب مدرسة مصراته الإبتدائية المركزية ، وشرعت خطواتي المتعثرة تنطلق في الطريق الطويل .. ولم تبلغ النهاية حتى الآن )
رمز فكري وجهبذ لغوي وأديب مفوه عبهري من أهم رموز الأدب العربي ولست أبالغ إذ أقول العالمي فمؤلفاته المهمة في الفلسفة والتاريخ واللغة والنقد الأدبي والترجمة والإبداع الروائي والشعري .. وترجماته العديدة لكتبه من العربية لغيرها من اللغات اللاتينية والعكس أثرت المكتبة الليبية والعربية والعالمية الثقافية .. إنه الدكتور الأستاذ رحمه الله // علي فهمي خشيم ومن لايمكنه موافقتي بتصنيفه رمز الفكر والأدب في ليبيا في الخمسين عاما الأخيرة وفقدناه قبل أن نستكمل نهلا من فيض علمه رحمه الله ، وقد امتدت مؤلفاته لتغطي مجالات واسعة .. وُلد الدكتور علي فهمي خشيم بمصراتة 20/ 5/ 1936 بمصراتة .. لإحدى عائلات قبيلة الشراكسة اسمه مركب كما ( علي فهمي ) هكذا وقد كان يربك الموضوع عددا ممن يكتبون عنه وفي العائلة سر إبداعي كبير كما بدأ هو منذ صغره كذلك شقيقه المخرج الفنان التلفزيوني والمسرحي الكاتب المرحوم خالد خشيم وهو أكبرهم سنا أما صغيرهم الثالث فالأستاذ الكاتب والممثل المسرحي وجامع الموروث الثقافي المصراتي الشفاهي خاصة يوسف خشيم ..

علي فهمي في مصراته مدينته تلقى تعليمه الأول دارسا بداية حياته القرآن الكريم بزاوية (البي ) ومن ثم درس بمدرسة مصراتة المركزية الابتدائية ، وموهبته بانت ملامحها وهو في الصفوف الابتدائية مايزال مارس التمثيل المسرحي منذ مرحلة الدراسة الابتدائية وكان يقوم وشقيقه خالد خشيم بتقديم بعض الأعمال المسرحية خلال تلك المرحلة ، كما أسهم في تأسيس فرقة مسرحية بالنادي الأهلي المصراتي ، وكتب لها عددا من الأعمال المسرحية استمر بذات المدرسة للمرحلتين الإعدادية ، والثانوية ، وواصل فيها حتى أنهى تعليمه الأساسي والثانوي ليخرج من مصراته متجها للجامعة قسم الفلسفة بالجامعة الليبية آنذاك عام 1962 م قبل أن تسمى قاريونس في السبعينيات .. حصل منها على ليسانس آداب ليتجه بتفوقه إلى جامعة عين شمس بالقاهرة ويقدم رسالة مهمة رفعت من اسمه هناك وفي بلده وكانت في العام 1966 الدراسة تناولت (الجبائيان أبو علي وأبو هاشم) .. لتفوقه أوفدته بلاده في العام 1967 للحصول على درجة الدكتوراه من بريطانيا وفي جامعة درم ببريطانيا كلية الدراسات الشرقيه نال الدكتوراه عام 1971 م عائدا لوطنه .
مستقطع من أحد مؤلفاته كتب :


في تدقيقاتهم وتحليلاتهم يفرق العلماء المختصون بين ” الكلام ” و ” اللغة ” الأول اسم جنس يقابل مافي الفرنسية langage والثانية تقابل langue في الإنكليزية وقد تكون اللغة كلاما وقدي يكون الكم لغة لكن اللغة قد تكون أيضا خالية من الكلام لكن الكلام لا يخلو من اللغة ألم تسمع قول الشاعر الذي تحول غناء :
وتعطلت لغة الكلام وخاطب
عيني في لغة الهوى عيناك
إنها لغة العيون إذن .. ويالها من لغة معبرة .. هي لغة ذات مغان ومعان ودلالات ومرام لا تعد ولا تحصى ولكل نظرة معنى واسم خص به في لغة العرب الشريفة .. إسمع ما يقوله أبو منصور الثعالبي في كتابه ( فقه اللغة وأسرار العربية ) عن كيفية النظر وهيئاته وأحواله قال :
إذا نظر الإنسان إلى الشيء بمجامع عينيه قيل ( رمقه ) فإن نظر إليه من جانب أذنه قيل ( لحظه ) فإن نظر إليه بعجلة قيل ( لمحه ) فإن رماه ببصره مع حدة قيل ( حدجه أو أرشقه .. فإن نظر إليه نظر المتعجب أو الكاره أو المبغض إياه قيل ( شفنه ) فإن أعاره لحظ العداوة قيل ( نظر إليه شزرا ) فإن نظر إليه بعين المحبة قيل ( نظر إليه نظرة ذي علق ) فإن نظر إليه نظر المستثبت قيل ( توضحه ) فإن نظر وضع يده على حاجبه مستظلا بها من الشمس يستبين المنظور إليه قيل (استكفه واستوضحه واستشرفه)
ولا أنسى أن أذكر القارئ المار من هنا أن كل صاحب علم وفير غزير هوإنسان متواضع وحقا وفعلا من تواضع لله رفعه .. وأنا أجمع سيرته العطرة لمسيرة أغبطه فيها كان لزاما أن أذكر حكاية كانت بيننا خيوطها حيكت عام 2009 _ 2010 حينما كنت مستشارا ثقافيا للمؤسسة الوطنية للطباعة والنشر والتي تصدر عنها صحيفة الطباعة والنشر وأحببت أن أغير اسم المطبوعة التي استمرت لعديد السنوات وبإشراف متخصصين في المجال الطباعي والصحفي إلا أنني وهكذا كانت مقدمة كلامي مع الدكتور علي فهمي خشيم لاحظت عدم شغف القراء بالصحيفة وأنها تطبع وتركن في المكاتب أو حتى بعد إرسالها لفروع المؤسسة في بنغازي وسبها وطرابلس وسرت وللمكاتب بفروعها تظل المطبوعة أوراق فطرحت عليه فكرة تطويرها باستكتاب متخصصين وإطلاق صفحات للتحقيقات والاستطلاعات وأخرى ثقافية مع أهم تغيير قد يحدث في تاريخ المطبوعة منذ الموافقة على إنشائها وهو اسمها وتخيرت (( الوراق )) كوننا نعمل في قطاع الورق والطباعة .. فكان رأيه الحكيم :


عفاف فكرتك صائبة وأنا معك ولكن لا تدعي روح الشباب تأخذك وتتسرعي خذي خطواتك بدراسة وعناية .. أولا عليك أن تنظمي ندوة كبيرة بتغطية إعلامية وبدعوة لكل من هم في فروع المؤسسة والمسؤول الذي وثق فيك كمستشار ثقافي وأنت لها بنيتي ( قاصدا الشاعر الأستاذ نوري الحميدي . أمين الثقافة والإعلام حينها ) وسألني كيف أخدمك ؟ قلت له سريعا منتهزة فرصة عرضه المغري أستاذي بورقة عمل عن الوراقين والورق كي نقنع الحضور الكريم في الندوة ومسؤولي الطباعة والنشر أن فكرتنا لم تأت هكذا بل للجذور التاريخية للمهنة .. وسريعا وافق وحددنا موعدا مناسبا يكون فيه اسمه اللامع ودروسه المستفادة رافدا لتغيير اسم صحيفة لسنوات ظل عنوانها معروفا ومتداولا بعنوان آخر يكون دلالة أعمق وأهم لمهنة الطباعة والورق والنشر .. فكان وأسهم في هذا التغيير .


إنه علي فهمي خشيم ذاك المبدع الشامل فمع التمثيل والكتابة للمسرح منذ نعومة أظفاره .. كان شغوفا منذ نشأته الأولى بالرسم والتصوير ، حد أنه شارك في عدد من المعارض الفنية ورسوماته بعد ذلك تصدرت أغلفة المجلات المحلية الصادرة ستينيات القرن الماضي 20 وبرع أكثر في طرح موضوعات شكلها بريشته الساخرة فشارك بالرسم الساخر في مجلة الإذاعة ، الرائد ، والليبي .. بعد أن ذاع صيته الفني في هذا المجال الإبداعي .. صغيرا علي فهمي خشيم نظم الشعر العاطفي ، والوطني ، والقومي ، وقدمت أغلب قصائده من خلال الإذاعة الليبية ، وقام بعض الفنانين بأداء بعض من قصائده .. وبرع في جذب المشاهد والمستمع لمتابعة أعماله المهمة عبر الإذاعة والتلفزيون ..فأعد وقدم عديد البرامج التي أثرت بذخائرها الأدبية والمعلوماتية الإذاعتين مثل :
(في قديم الزمان) ، (رحلة الكلمات) ، (كلام) ، (قراءات ليبية) ، (الكلام على مائدة الطعام) ، و(حرب السنوات الأربع ) .
في جزء من خبر مهم للأديب خالد الزغيبي جاء عن أحد أعمال خشيم تحت عنوان : الهيروغليفيّة صورة من صور اللغة العربيّة الفصحى .. قال :
أكد الدكتور . علي فهمي خشيم رئيس مجمع اللغة العربية في ليبيا على أن اللغة الهيروغليفية المصرية القديمة شكل من أشكال اللغة العربية التي كانت سائدة في المنطقة العربية مثل الآرامية واللوبية القديمة، معتبراً ذلك اكتشافاً علميَّاً جديداً في مجال اللغة .. وذاك موثق في كتابه الصادر حديثاً تحت عنوان “البرهان في عروبة اللغة المصرية القديمة” الذي يُعدّ ثمرة دأبٍ بحثيّ استمر نحو 15 عاماً . في الندوة التي نظمت حديثاً في مركز الخطوط في الإسكندرية ، أشار د. خشيم إلى أن المنهج الذي ينطلق منه يرتكز على وحدة الأمة منذ عصور قديمة يجمع في ما بينها لسان واحد أسماه “العروبية” في بلاد الرافدين وشبه الجزيرة والشام ووادي النيل والشمال الإفريقي إذ لم تكن ثمة اختلافات في اللغة إنما في اللهجات .
خلال مسيرته الحياتية تدرج خشيم في وظائف معظمها أكاديمية طبقا للشهادات العلمية التي نالها ولكنه لم يتوقف عند الوظائف التي تقلدها فمعها عديد المناشط الثقافية المهمة والمناصب التي شرفت بتنصيبه وآخرها ( رئيس مجمع اللغة العربية ) أما بداياته فقد عين رحمه الله :
_ محاضرًا بكلية آداب الجامعة الليبية .بنغازي 1962/ 1975م
_ أستاذًا مساعدًا، فأستاذًا مشاركًا، ثم أستاذ كرسي – كلية التربية – جامعة الفاتح طرابلس 1975 – 1987م.
_ باحثًا متفرغًا بدرجة أستاذ بمركز بحوث العلوم الإنسانية – طرابلس 1987 – 1989م
_ أستاذًا مشرفًا على الدراسات العليا – طرابلس 1989م – كلية العلوم الاجتماعية – جامعة الفاتح ( طرابلس حاليا ) .
_ عميد كلية التربية، جامعة الفاتح – طرابلس – 1976م .
_ رئيس قسم التفسير (الفلسفة) – كلية التربية – طرابلس 1987 – 1988م .
_ عميد كلية اللغات – طرابلس 1987 – 1988م .


وتقلد وظائف لها علاقة بالثقافة والأدب والإعلام لكنها ليست ضمن الأطر الأكاديمية التعليمية وكما شهد له في سابق وظائفه كان أهلا لك منصب تقلده بعد ذلك أو في الأثناء فقد كان :
_ وكيل وزارة الإعلام والثقافة – ليبيا 1971 – 1972م.
_ وزير الدولة ، رئيس مجلس شؤون الثقافة والتعليم ، اتحاد الجمهوريات العربية – القاهرة 1972 – 1975م.
_ عضو المجلس التنفيذي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو) – باريس 1976 – 1980م.
_ نائب رئيس المجلس التنفيذي لليونسكو – باريس 1978 – 1980م.
_ انتخب عضوًا بمجمع اللغة بالقاهرة عام 2003م، في المكان الذي خلا بوفاة الدكتور جاك بيرك.
_ أمين عام (رئيس) مجمع اللغة العربية الليبي من 1994م حتى 2011 .
قيل في ندوة حول مؤلف للدكتور خشيم عن الناقد الأدبي الأستاذ يونس الفاندي ما درجه مكتوبا أيضا موقع بلد الطيوب للأديب المهندس رامز النويصري مايرد :
تتجلى عذوبة وبلاغة اللغة منذ العتبة الفرعية التي وضعها المؤلف وسط الكتاب عنواناً لقسمه الثاني المتعلق برحلتيه القصيرتين خارج ليبيا (حتى إذا بلغ مغربَ الشمس) وهو تناص قرآني جميل مقتبس من سورة الكهف (إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا* فَأَتْبَعَ سَبَبًا* حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا) ، وقد وظَّفه المؤلف لإعلاء شأن السرد، وإبراز عمقه الثقافي، وتعالقه مع روابط دينية وإبداعية متنوعة تمنحه زخرفة وجمالاً وبلاغةً، وتفتح مدارك العقل لمزيد التأمل والتدبر وحتى عقد بعض المقارنات.
وقد ألقى موضوع الندوة العربية في المغرب (المشروع الحضاري العربي) بظلاله الواضحة على ما سجله الدكتور علي فهمي خشيم في رحلته إليها، فظهرت زاخرة بالمواضيع والمناقشات الفكرية والأدبية والفلسفية التي تتناول مواضيع تحديات الحداثة بجميع أوجهها الفكرية والمادية التي تواجه الهوية والثقافة العربية، وكذلك تداعيات الأحداث السياسية التي تهدد الوطن العربي مثل قضية لوكربي، حرب الخليج، اتحاد المغرب العربي، اتفاقيات السلام، مفاوضات مدريد بين الفلسطينين والاسرائليين، أحداث الصومال، البولوساريو والصحراء الغربية، قرارات مجلس الأمن ضد العراق وليبيا وغيرها. أما رحلته إلى كوبا فإن جلّ مواضيعها كانت في إطار محاور المؤتمر الدولي حول (الدستور والديمقراطية وأنظمة الحكم) وبالتالي هيمنت عليها النقاشات السياسية البحتة مع بعض المشترك والمتداخل بينها والقانون والأنظمة الاقتصادية. ولذلك فإن أبرز ما سجله المؤلف في هذا الجانب هو أفكار وحوارات حول الوضع الاقتصادي لدولة كوبا وتداعيات ندرة العملة الصعبة (الدولار) على مناحي الحياة المعيشية فيها، ومن خلال ذلك برزت مصطلحات الماركسية/اللينينية، والماركسية/الكاستروية والنظام الاشتراكي والرأسمالية والاستعمار والامبريالية وغيرها.
لم تكن وظائفه مع مهام أخرى فصلت عليه تفصيلا فأقامها ببديهة عقلانية المفكر الفيلسوف الفنان الأديب الراقي .. لم تكن لتأخذه عن كثير من المناشط الثقافية والصحافية .. الأخرى التي أثرت حياته وأثرت في شخصيته التي تعد عبرة حياتية يؤخذ بما قدمت من عبر تعتبر .. هذا الرجل الذي ترك إرثا مهما علميا وأدبيا فكريا :
_ هو من أنشأ مجلة (قورينا) ورأس تحريرها ، كلية الآداب ، بنغازي 1966- 1972م.
_ أسس مجلة “الفصول الأربعة” الصادرة عن اتحاد الكتاب والأدباء ورأس تحريرها – طرابلس 1977 – 1980م.
_ عضو هيئة تحرير مجلة “الوحدة”، المجلس القومي للثقافة العربية – الرباط 1985م.
_ عضو هيئة تحرير مجلة “الحكمة” – قسم الفلسفة – طرابلس 1975م.
_ أسس ورأس تحرير مجلة “أفكار” – قسم الفلسفة – طرابلس 1987 – 1988م.
_ عضو الهيئة الإدارية لاتحاد الأدباء والكتاب – ليبيا 1976 – 1980م.
_ عضو هيئة أمناء (المجلس القومي للثقافة العربية) الرباط 1983م.
_ عضو مؤسس للمركز العربي للدراسات التاريخية – طرابلس .
ونشاطه الثقافي الواسع رحمه الله أهله لتمثيل عديد الهيئات والجمعيات والمراكز العلمية والصحافية الآتية ..
_ انتخب عضوًا بمجمع اللغة بالقاهرة عام 2003م، في المكان الذي خلا بوفاة الدكتور جاك بيرك.
_ وهو أمين عام ( رئيس) مجمع اللغة العربية الليبي من 1994م حتى وفاته 2011 م
_ عضو المجلس التنفيذي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو) – باريس 1976 – 1980م.
_ نائب رئيس المجلس التنفيذي لليونسكو – باريس 1978 – 1980م.


كتب في رحلة الكلمات ما أتركه هنا للقارئ المار عند سيرة الفخامة القيمية في أحد علماء ليبيا الذين سيرفعهم المولى بما علموا وعملوا وتأثروا وأثروا درجات بإذن الله وهم في جواره الكريم رحمهم الله .. كتب العلامة الرمز علي فهمي خشيم :
الكلام : اسم وفعل وحرف .. هكذا قال النحويون والمقصود هنا .. تلك الأصوات التي تصدر عن فم الإنسان مرتبة في منازل مابين أصوات حلقية ولهوية وسِنية وشفوية .. ولهم فيها اصطلاحات مابين مطبق ومجهور ومعطش وصفيري إلى آخر ماتعج به كتب النحو في القديم وكتب اللسانيات في الحديث .. والكلام اصطلاحا لا يكون إلا أصواتا تامة مفيدة .. مكونة من حروف الهجاء المعروفة كما يقول صاحب ( لسان العرب ) .