الأخبار الشاملة والحقيقة الكاملة​

2025-09-09

8:45 مساءً

أهم اللأخبار

2025-09-09 8:45 مساءً

بأصابع النار عاد صغيرا لا تحده الجدران

بيوغرافيا

سالم الهنداوي

نعم هو ذاك المثقف العصامي والدبلوماسي القدير الذي خلط لغة الأدب بلغة السياسة والثقافة والإعلام فمنذ بدايات كتاباته وحتى عناوين مؤلفاته تجد لها دلالات الخروج عن المألوف في كيفية صوغ العبارة تارة تشتعل ( أصابع من نار ) ليرتحل باشتعال جذوة الإبداع في ( رحلة نوح الأخيرة ) وينشيء بقدراته مجتمعة ( علاقة صغيرة ) يجوب ( الغابة ) يبحث عن تلك ( الظلال النائية ) ليعلن في قصة أخرى ( عودة الولد الصغير ) وتلك ضمنها حكايات من بنغازي حنينا ربما لمكان ولد فيه وترعرع قبل أن يكتب عليه القدر رحيلا دام ودام بين مدن بلده أولا ثم بين عواصم العالم كدبلوماسي مستشارا للثقافة تارة ومستشارا إعلاميا أخرى وجاب بمداد قلمه لسنوات ما أعلن به أن ليبيا تلك القارة البكر المخفية قصرا عن عيون من يعتقدون أنها لا تُرى .. تملك أبناء إبداعاتهم الأدبية والإنسانية والعملية تدرس ويحتذى بهم .

إنها سيرة ومسيرة للكاتب والأديب والإعلامي والدبلوماسي الليبي ( سالم التريكي عوض الهنداوي ) المولود في بنغازي عام 1955 م بدأ يحبو نحو مدرسته الابتدائية فيها وولم يتم المرحلة الأساسية لانتقاله مع العائلة إلى مدينة  البيضاء .. عصاميته تمثلت في كونه تتلمذ ذاتيا بقراءاته المتنوعة فكان المثقف العصامي فعلا وذاع صيته مع مطلع السبعينيات حيث نشر مقالاته وقصصه في الصحف الليبية مع منتصف السبعينيات وأول نشر عربي له كان في العام 1977 م عبر مجلة الدستور التي كانت تصدر في لندن .

كتب في أدب الجوائز وتحت هذا العنوان مقالا تحقيقيا استشف فيه آراء آخرين من كتاب الوطن العربي وكيف يرون هذا الأدب وكان مطلع مقالته المهمة :

قلتُ ذات مناسبة إن أجمل الجوائز هي تلك التي تأتيك دون أن تدري ولا تذهب إليها وأنت تدري، بمعنى أن يكون عملك الأدبي قد اختُير من بين أعمال وأصبح قرار الفوز بيد لجنة نقدية من القديرين، حينها فقط تكون أنت الفائز بعملك عن جدارة، ودون ذلك فهي مجازفة محفوفة بمخاطر الخيبة.. ولذلك كان من غير الممكن أن أتقدّم لجائزة أدبية وأنا أعرف سلفاً، في ظِل الخِداع وانعدام الثقة، بأنها قد تذهب لغيري وعن عمل قد يكون دون مستوى عملي، فتكون خسارتي لنفسي حينها أكبر من خسارتي لجائزة، لو نلتها، كانت لن تضيف لي شيئاً من الأساس، وبخسارتها قد تأخذ مني كل شيء في غفلة يقين ولحظة رهان زائفة ومقامرة بعيدة عن ذائقة القارئ ووعي الناقد وتقدير النخبة !

الهنداوي إذن عشق ماحباه الله به من نفحات إبداع وإمكانات نهل وكتابة .. هذا القاص والروائي ومعد البرامج الثقافية المهمة والكاتب الصحفي الذي مذ بدأ ينشر أعماله داخل وطنه وخارجه كان منتظما واستهواه أكثر وصفه كاتبا عبر (( مجلات المهجر)) يبدوا ماسهل له هذا الأمر أنه منذ العام 1997 م عمل في السلك الدبلوماسي .. وظل متجولا بعمله وقلمه حتى العام 2001 م وهو مستشاراً ثقافياً في قبرص ..

ومن هناك وفي كل أرض وطأها جاوره قلمه وكتب بمداد قلبه فنشر مقالاته الفكرية ، الثقافية والسياسية ، وأعماله الأدبية ، في العديد من المجلات العربية التي كانت تصدر في نيقوسيا ولندن وباريس (( مثل مجلة الوطن العربي ، مجلة كل العرب ، مجلة التضامن ، مجلة الفرسان ، مجلة الناقد ، والاغتراب الأدبي ، مجلة اليوم السابع ، والموقف العربي ، والشاهد في قبرص ، إضافة إلى المجلات والدوريّات العربية مثل الآداب والكفاح العربي في بيروت ، والموقف الأدبي في دمشق ، وأقلام والطليعة في بغداد ، ونزوى في عُمان، والدوحة في قطر )) .

_ من أجل الهنداوي قامت الدنيا ولم تقعد إلا بعد أن رد اعتباره كقامة ثقافية أدبية تحتذى وهي الأجدر بقيادة منابر ثقافية مهمة

ففي العام 2010 صدر تقرير إداري وصفه سالم الهنداوي بأنه إهانة لشخصه وإمكاناته وكان وقتها مؤسسا لمجلة المجال ورئيسا لتحريرها لسنوات عدة جمع فيها أقلاما لكتاب وأدباء كبار وأحكم مهنية العمل الصحفي عبرها مع فريق تحريرها وورد حينها في التقرير تلميحا وتصريحا أن الهنداوي لا يملك شهادات عليا بل ابتدائية فقط دون وعي من تلك المؤسسة الرقابية بمعنى المثقف والأديب وأن شهادة أكاديمية لا تضاهي في قيمتها كيف يكون الأديب عصامي ثقافيا يشهد له القاصي والداني بقدرات لا يضاهيه أحد إدارة لمؤسسات ثقافية وهو الدبلوماسي الذي قاد عربيا وأوروبيا مكاتب ثقافة في دول ماكانت تراه بهكذا قيمة لولا أنه أجاد وأفاد وبرز أدبيا ووظيفا بمليء مكانه ورفع اسم بلده عاليا فما كان من الهنداوي إلا أنه استقال وهكذا اعتبر رئيس رابطة الكتاب والأدباء خليفة حواس ماحدث إهانة لأديب عبهري ورئيس جامعة عمر المختار الحاسية صاغ تقريرا شديد اللهجة ذكر فيه ماحدث أنه عدم وعي بماهية المثقف ودور الثقافة .. وفي حياة الأديب الكبير القاص عبدالرسول العريبي رحمه الله عبر عن ذلك واصفا استقالة الهنداوي بأنها خسارة فادحة ، وقال للجزيرة نت إنه لا يستحق ذلك ، مشيرا إلى أدباء كبار يحملون شهادات ابتدائية .. وتأسف بشدة لما سماه “تسطيح فكرة المثقف والكاتب”.. ودافع عن رؤية وفضاءات الهنداوي في مجال الصحافة ، مشيرا إلى أنه يمتلك مهارات لا يمتلكها كثير من الأكاديميين .. ودعا المسؤولين إلى فهم المهنة الصحفية والإبداعية في ذات الموضوع شديد التأثير النفسي على الكاتب الحساس رأى الشاعر الفيتوري الصادق من جهته أن ما وقع للهنداوي “يؤكد الدعوة الملحة لإعادة النظر في واقعنا الثقافي ليكون في مستوى التطلعات” .

ككل ممتليء بهم الكتابة من أجل بناء وعطاء لا أخذ .. لم يكتفِ الهنداوي بكونه كل هذه القدرات الإبداعية الثقافية في كيان كاتب يكتب المقالات وينشر أعماله ونتاجه الأدبي وتصدر له الكتب ويمثل ليبيا دبلوماسيا بل انه المثقف الذي بث تجربته في مكان آخر أقرب للناس .. فأعدّ وكَتَب للإذاعة والتلفزيون الليبي العديد من البرامج الثقافية منذ مطلع سبعينيّات القرن الماضي بالمشاركة في إعداد البرامج الصباحية مع الإعلاميّين يونس الخشمي وطاهر رحومة، وبكتابة البرنامج الرمضاني “حكايات” الذي تعاقب على تقديمه منذ منتصف السبعينيّات الإذاعيين علي أحمد سالم وعبدالفتّاح الوسيع وعبدالهادي ضو وعبداللطيف سالم والمهدي الجلّي، وبرنامج “آفاق ثقافية” في مطلع الثمانينيّات والذي استمر لتسعة أعوام من تقديم الإذاعي عبدالله عبدالمحسن، وبرنامج “الشمس الأخرى” من تقديم الإذاعية عزيزة عبدالمحسن، و”حديث الكتابة” من تقديم الإذاعيّين أحمد المقصبي وسالم الفيتوري.. إضافة إلى إعداد وتقديم البرنامج التلفزيوني الثقافي “بطاقة دعوة” الذي استضاف العديد من رموز الثقافة والأدب والفن في ليبيا والوطن العربي، وشارك على الهواء في البث الموحّد مع تونس عام 92 بحوار من طرابلس مع الفنّان مارسيل خليفة.

كم جميل أن يحترم الأديب في وطنه يشعر بأن أهم جائزة نالها هي احتواء الصحب والأهل والقراء ومن استفادوا بما كتب وقال ونشر وأسس .. سالم الهنداوي بين الأعوام 2015 _ 2019  تقلد العديد من الوظائف القيادية في الثقافة والإعلام وكان مستشاراً إعلامياً لدى سلطنة عُمان  خلال تلك السنوات وفي مسيرته العملية أسّس في قبرص عام 1999 (مؤسسة المتوسط الدولية للصحافة والإعلام ) وأصدر مع المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت مجلة (القصيدة) وعدد من الكُتب الثقافية والأدبية .. كما ترأس في ليبيا تحرير فصلية (المجال) للثقافة والعلوم خلال المدة من عام 2003 إلى عام 2010 .. وهذا عنوان جذبني أثناء رحلة البحث في سيرة الكبير سالم الهنداوي حيث الأديب محمد قصيبات يعود بالذاكرة لأيام خلت ويذكر رفقته بالهنداوي أثناء وفاة الصادق النيهوم رحمه الله في بنغازي فعنون الحكاية التي سأقتطع منها بعضا فقط ليعرف القارئ كم يكبره صحبه وكم يحترم قلمه بينهم وعبقريته التي ليس لها نظير بين مجايليه فكتب قصيبات

(( سالم الغائب الذي كان صديقي، وعاد بي إلى طفولتنا ))

لم أكن أعرف أن سالم الهنداوي كان صديقي.. فنحن لم نلتقِ إلّا مرة واحدة في بنغازي مطلع شتاء عام 1994 عند تشييع جنازة الراحل الكبير “الصادق النيهوم”.. خرجنا معاً من مقبرة الهواري في خطى حزينة صحبة الكاتب حسين مخلوف والأديب عبد الرسول العريبي رحمهما الله، وكذلك المؤرخ سالم الكبتي والروائي إبراهيم الكوني متعهما الله بالصحة والعافية.. في عزاء “الصادق” حيث بيت رجب النيهوم في سوق الحشيش، كانت تأخذنا الأحاديث هنا وهُناك، حدّثني عن غربة النيهوم والكتابة وحدّثته عن غربتي وتجربتي في الترجمة.. مع سالم الهنداوي اكتشفتُ رجلاً يتعامل مع اللغة كأنه مهندس كلمات… عرفتُ إلى جانب كتاباته في مجلات لندن وباريس أنه يترأس تحرير واحدة من أهم المجلات الليبية “المجال”، فطلب مني أن أرسل إليه ما لديّ، فنشر لي ما أعتز به من كتابات وترجمات، منها قصائد لإليوت وماشادو .. بعد عودتي إلى باريس فتحتُ مُغلّف الكُتب التي اقتنيتها من بنغازي، منها كِتاب “ليل الجدّات” حكايات لمحمد المسلاتي، وحكايات “المدينة المفتوحة” لمحمد العنيزي رحمه الله، وكان ثالثهما كِتاب يحمل عنوان “عودة الولد الصغير- حكايات من بنغازي”  لسالم الهنداوي، وهو كِتاب ممتع يحق أن نضعه في صنف الرواية… رواية لم تُكتَب على شكل الروايات التقليدية المُعتادة، بل على طريقة الشعر الإليوتي، حيث تتتابع الصور واحدة بعد الأخرى بشاعرية جمّة.

 صدرت له العديد من الكُتب الثقافية والسياسية والأعمال القصصية والروائية في ليبيا وقبرص ولبنان ومصر والأردن، وأُعدّت في بعض أعماله عدد من الرسائل الجامعية الماجستير والدكتوراه .. كما نشر في العديد من الصحف مثل السفير، والنهار في بيروت ، والاتحاد الإماراتية ، والقدس العربي ، والعرب ، والزمان ، والحياة اللندنية.. عمل مراسلاً ومُحرِّراً ثقافياً غير مقيم في عدد من الصحف والمجلات العربية الصادرة في لندن، وباريس، ونيقوسيا، وبيروت، وأبوظبي .

للكاتب القدير الذي تشرفت بتجميع سيرته من هنا وهناك وقرأت تقدير الصحب والزملاء من أدباء وصحافيين لشخصه ولإبداعاته الجمه .. عديد المؤلفات التي أثرت المكتبة الليبية والعربية تتنوع بين نتاج قصصي وروائي وفكري : 

نتاج قصصي :

•     “الجدران” (قصص)، 1978

•     “الأفواه” (قصص)، 1984

•     “علاقة صغيرة” (حكايات)، 1985

•     “أصابع في النار” (قصص)، 1986

•     “الغابة” (قصص أطفال)، 1996

•     “ظلال نائية” (قصص)، 1999

•     “عودة الولد الصغير” (حكايات من بنغازي)، 2004

•     “نافذة الغريب” (قصص)، 2023

نتاجه الروائي :

– “الطاحونة”، 1985

– “خرائط الفحم”، 1994

– “رحلة نوح الأخيرة”، 2019

– “ليل بيزنطي”، 2019

نتاجه الفكري :

•”دراسات في الأدب” مع آخرين 1986

• “رصيف آخر” (مقالات)، 1994

•“حائط اليوم السابع – تأملات في جهة الضوء” (مقالات)، 2005

• “أوراق في رياح الشرق – سقوط الدولة الثانية” (مقالات)، 2006

• “أصحاب المغيب” (كتابات في الغربة)، 2015.

هذا العام 2025 م وبحضورِ كوكبةٍ من ألمعِ أدباءِ الوطن تقدر الجامعة الدولية الهنداوي أهم تقدير بتكريمه عن أعوام العطاء الصحفي والفكري والثقافي والنتاج الأدبي تحت عنوان له أهمية ذاع في أرجاء ليبيا صداه فكان وحقيق أن يشاد به : 

(( 50 عاماً من الزمن عطاء يشبه الوطن ))

كتبوا عنه في تكريميته التي حضرها عديد الكتاب والأدباء الليبيين والعرب .. الثراء هو عنوان احتفاء الدولية بالأديب الكبير سالم الهنداوي .. فقد شهد الحفل البهيج تقديم شهادات لثلة من أشهر الأدباء والكتّاب والإعلاميين العرب في سيرة الهنداوي :

*الشاعر والكاتب العُماني الأستاذ  عبد الرزاق الربيعي .سلطنة عُمان.

*الكاتب والأكاديمي العراقي محمد جاسم فلحي.

* الكاتب والإعلامي المصري / دكتور فؤاد عبد الرازق . القادم خصيصا للحدث من لندن مقر إقامته .

*الكاتب والناقد الفلسطيني /   أ.مازن مصطفى _ لندن

*الكاتب والناقد والأكاديمي العراقي / أ. د. محمد عبدالرضا شياع _ القادم من أجل الهنداوي من مكان إقامته بالولايات المتّحدة – كاليفورنيا.

*المفكِّر والفيلسوف الجزائري / د. أزراج عمر- لندن.

*الكاتبة والروائية اللبنانية / أ. ناريمان علّوش- بيروت.

* (( سالم الهنداوي بأقلام عربية )) الكتاب الأهم الحاضر بقوة أثناء حفل التكريم .. تم توقيعه من قبل الأديب الكبير المكرم .. وسط احتفاء الحضور وحرصهم على اقتناء نسخة بتوقيع  كتابه . وبصوته الشجي تلا الإعلامي والفنان القدير أثناء حفل التكريم الأستاذ محمد الشوبكي تقديم الكتاب بقلم سالم الهنداوي .. والتقديم  به كثير من الشجن في مواجهة المغيب والرفاق الذين رحلوا فرادى ، مكتنزين بالغربة والمرض وضجيج الأنين . ولم يسعفهم الوقت ليصغوا لأصوات أحبابهم ونجواهم في محرابهم . فرحلوا في صمت مريع .

(( يا وجهي المرسوم في ذاكرتها.. أفاقت وقد قلت لها نامي يا رسامتي فالليل طويل، والمدينة منذ وقت دخلت الى حديقة اماسيها، اشعلت فوانيس شوارعها ونامت تحلم كما نحن ..))

____________________

شارك المقالات:

مواقيت الصلاة

حالة الطقس

حاسبة العملة

PNFPB Install PWA using share icon

For IOS and IPAD browsers, Install PWA using add to home screen in ios safari browser or add to dock option in macos safari browser

Manage push notifications

notification icon
We would like to show you notifications for the latest news and updates.
notification icon
You are subscribed to notifications
notification icon
We would like to show you notifications for the latest news and updates.
notification icon
You are subscribed to notifications