مع اشتداد الانقسامات السياسية وتعثر المسارات الدستورية، تشهد ليبيا موجة جديدة من التصعيد بين السلطات المتنازعة، ترافقت مع تحذيرات من انهيار سياسي شامل، في ظل صراع مكشوف بين حكومتي الشرق والغرب، وتراجع ثقة المجتمع الدولي في إمكانية التوصل إلى تسوية قريبة.
اتهم عضو مجلس النواب بدر النحيب، رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة بالوقوف وراء منع عدد من النواب عن المنطقة الغربية من التوجه إلى بنغازي لحضور جلسة اعتماد الميزانية، واصفًا الحادثة بأنها خطوة مقصودة.
وقال النحيب إن الطيران المدني يتبع لرئيس حكومة الوحدة وأي شخص بسيط يعلم ذلك متهمًا الدبيبة بإصدار أوامر مباشرة بمنع النواب من السفر.
وأضاف: نحن نريد أن نخدم ليبيا ونقر ميزانية وحكومة موحدة، لكن هؤلاء ضد قيام دولة، داعيًا النائب العام إلى التحرك الفوري بشأن الواقعة التي وصفها بأنها تمس سيادة البرلمان، الذي اعتبره “أعلى سلطة في الدولة”.
في الجانب الآخر من المشهد، قال رئيس لجنة الشؤون السياسية بمجلس الدولة، محمد معزب، إن 95 عضوًا من المشاركين في جلسة توحيد المجلس يوم 27 يوليو، يرفضون تقديم أي تزكيات أو المشاركة في تشكيل حكومة جديدة حاليًا.
معزب أكد أن المجلس يرفض أي خطوات أحادية تُتخذ خارج المسار السياسي الذي ترعاه البعثة الأممية، معتبرا أن أي اجتماع مع مجلس النواب دون تنسيق أممي هو خرق للعملية السياسية.
وحذر من أن مثل هذه التحركات قد تؤدي إلى مزيد من التشرذم والانقسام مؤكدًا أن المجلس سيحدد موقفه من التطورات المقبلة بناء على تقرير البعثة الأممية إلى مجلس الأمن.
في سياق آخر جدد مجلس الدولة تأكيده على أن إنجاز الاستحقاق الدستوري هو المرجعية الأساسية وحجر الزاوية لإنهاء الانقسام وتحقيق الاستقرار، مشددًا على أهمية الشراكة الدستورية لبناء دولة مدنية تلبي تطلعات الشعب.
جاء هذا الموقف عقب لقاء جمع رئيس المجلس محمد تكالة مع رئيس الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور مراجع نوح جرى خلاله بحث سبل الخروج من المأزق السياسي الحالي.
من جهته، عبر عضو مجلس النواب علي التكبالي عن خيبة أمله في الموقف الدولي، قائلا إن المجتمع الدولي لا يظهر أي رغبة حقيقية في إنهاء الأزمة الليبية، رغم التصريحات المتكررة من المسؤولين الأميركيين حول قرب الحل.
وأشار إلى أن ليبيا لا تزال ساحة لتصادم النفوذ بين فرنسا وتركيا وإيطاليا، مشددًا على أن الاستقرار لن يتحقق إلا بموقف أميركي واضح وحاسم.
وفي تقييم دولي قاتم قالت الباحثة الأمريكية جوليا فنغلر من معهد الاقتصاد والسلام، إن ليبيا تسير منذ أكثر من عقد في مسار تدهور مستمر، نتيجة لتراكم الأزمات وانعدام السلطة المركزية.
وأوضحت فنغلر أن البلاد شهدت منذ عام 2011 فراغا سياسيا فتح المجال أمام الميليشيات والقبائل والفصائل المتناحرة مما زاد من هشاشة الوضع الأمني.
وأضافت أن ليبيا سجّلت أكثر من 1100 وفاة سنويًا نتيجة الصراعات منذ عام 2012، واحتلت المرتبة 145 من أصل 163 دولة في مؤشر السلام الإيجابي لعام 2024.
وحذرت الباحثة من أن استمرار هذا الانقسام السياسي دون حلول جذرية سيُبقي ليبيا عرضة لموجات جديدة من العنف وعدم الاستقرار.
في ظل هذه المؤشرات السياسية والاقتصادية والأمنية بات واضحًا أن الأزمة الليبية دخلت مرحلة جديدة من التعقيد عنوانها العجز عن تشكيل سلطة موحدة وغياب الإرادة الدولية الحاسمة لإنهاء الازمة.