أكد الاتحاد العام التونسي للشغل، وهو أكبر النقابات في تونس، أن الحكومة رفضت عقد جلسات صلحية مع عدد من فروعه. وتُعقد هذه الجلسات، وفق القانون، بين الطرف النقابي والطرف الحكومي بهدف التوصل إلى اتفاق قبل تنفيذ الإضراب.
وقبل أيام، نفذ اتحاد الشغل إضراباً عاماً في قطاع النقل البري لمدة ثلاثة أيام، ما أدى إلى شلل تام في مختلف المدن، في ما بدا رسالة واضحة للسلطة تشير إلى عودة الاتحاد إلى الشارع.
ويرجح مراقبون للشأن النقابي أن تشهد العلاقة بين الحكومة والاتحاد تصعيداً خلال الفترة المقبلة، قد يضع تونس أمام احتمال خريف ساخن، خاصة في ظل غلق باب التفاوض.
وفي أول ردّ له على إلغاء الجلسات الصلحية، جدّد الاتحاد “استعداده للتصدي لأي محاولة لخرق الدستور أو الاتفاقيات الدولية أو المسّ بالقانون”.
ويقول صلاح الدين السالمي، الأمين العام المساعد للاتحاد، في تصريح لـجريدة “النهار”، إن القرار “سابقة خطيرة تمسّ بالحوار الاجتماعي”، محمّلاً الحكومة مسؤولية خرق القانون.
بدوره، يصف المحلل السياسي المهتم بالشأن النقابي صبري الزغيدي القرار بـ”الخطير”، معتبراً أنه يُظهر رغبة واضحة من الحكومة في الدخول في مواجهة مباشرة مع عشرات الآلاف من العمال.
ويضيف، أن القرار ستكون له تداعيات وخيمة على السلم الاجتماعي في البلاد، موضحاً أن “الطرف الحكومي، وعوض السعي لنزع فتيل الأزمة عبر التفاوض، اختار التصعيد، في مخالفة صريحة للخطاب الرسمي الذي يرفع شعار الدولة الاجتماعية”.
ويرى مراقبون أن الرئيس سعيّد يستند في معركته مع الاتحاد إلى شعبيته، باعتباره مدافعاً عن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للتونسيين، في مقابل تراجع نفوذ المنظمة النقابية وتأثيرها في الشارع.
ويقول الزغيدي إن المواجهة بين السلطة والاتحاد بدأت فعلياً منذ صدور المنشور عدد 20، الذي قيّد عملية التفاوض مع الطرف الاجتماعي تحت مبرر تنظيمها.
لكن الإضرابات الأخيرة، سواء التي نفذها الاتحاد أو تلك التي أعلن عن نيته تنفيذها، زادت من حدّة الانتقادات الموجهة إليه.
ويواجه الاتحاد هجوماً من أنصار “مسار 25 يوليو” الداعمين لسعيّد، الذين يحمّلونه مسؤولية انهيار العديد من القطاعات بسبب “إغراقها في الفوضى والمطلبية”.
ويؤيد شق من الشارع التونسي هذا الرأي، رغم أن الاتحاد يعتبر المظلة الأساسية التي يلجأ إليها العمال عند المساس بحقوقهم، إلا أن بعض الأصوات ترى أنه “ساهم في تعميق أزمة البلاد”.
في المقابل، تتهم المعارضة الاتحاد بـ”مهادنة السلطة”، في إشارة إلى عدم دعمه لتحركاتها الاحتجاجية.
وتأتي هذه التطورات في ظل أزمة داخلية يعيشها الاتحاد منذ أشهر، ما يزيد من حجم الضغوطات على القيادة الحالية.
وقد يكون التصعيد ضد السلطة خياراً للاتحاد للخروج من أزمته، باعتبار أن ذلك قد يُعيد توحيد الصف النقابي.
لكن شقاً من النقابيين يرفض التمديد للمكتب الحالي ويطالب بإجراء انتخابات مبكرة.
غير أن خيار التصعيد يظل مفتوحاً على سيناريوات عدة، ما يجعل الإضرابات المرتقبة اختباراً حقيقياً للاتحاد وللسلطة على حد سواء.