خاص المنصة: النيازك الليبية.. كنوز سماوية بين أيدي المهربين وتجار السوق السوداء
تشهد تجارة النيازك في شمال إفريقيا نشاطًا ملحوظًا، خاصة في المناطق الصحراوية الممتدة بين ليبيا والنيجر، التي تُعد من أغنى بقاع العالم في العثور على الصخور الفضائية النادرة. وفي ليبيا، يبرز حقل دار الغاني كأحد أهم مواقع النيازك عالميًا.
يقع دار الغاني على هضبة من الحجر الجيري في الصحراء الليبية، بطول يقارب 200 كيلومتر وعرض يصل إلى 60 كيلومترًا في أوسع مناطقه. يتميز الموقع بقدرته الفائقة على الحفاظ على النيازك، حيث يسهّل المناخ الجاف والجيولوجيا الفريدة المكوّنة من الطين والدولوميت والحجر الجيري والخالية من رمال السيليكا المتآكلة.
ورصدت العديد من النيازك ذات الألوان الداكنة حتى يوليو 2001، جرى استرداد 869 نيزكًا من الموقع، بوزن إجمالي بلغ 687 كجم، كان أكبرها يزن 95 كجم. وقد سمّته لجنة التسمية بجمعية النيازك الدولية، رغم أنه لا يظهر في الأطلس الوطني لليبيا، إلا أن اسمه أُطلق على جزء من “هضبة سرير القطوسة” في الخريطة الجيولوجية للبلاد.
وعلى مقربة من الحدود الليبية، في النيجر، تم العثور عام 2023 على أكبر نيزك مريخي معروف حتى الآن، وهو NWA 16788 بوزن 22 كيلوجرامًا، والذي بيع الشهر الماضي في مزاد بنيويورك بأكثر من 5 ملايين دولار. هذا البيع أثار ضجة كبيرة، حيث فتحت السلطات النيجريّة تحقيقًا في مزاعم “الاتجار الدولي غير المشروع” وأوقفت جميع صادرات الأحجار الكريمة والنيازك لضمان تتبعها، وسط تأكيدات من دار المزادات سوثبي بأن العملية تمت وفقًا للإجراءات الدولية.
وبموجب قواعد اليونسكو، تُعتبر النيازك جزءًا من التراث الثقافي، لكن النيجر مطالبة بإثبات ملكيتها لاستعادة النيزك. وقد أعادت هذه القضية النقاش حول حماية التراث الطبيعي وضرورة وضع أطر قانونية أكثر عدالة في تجارة الصخور الفضائية النادرة، خاصة في المناطق الحدودية حيث تنتشر عمليات الجمع والتهريب غير الرسمية.
واصل فريق المنصة بالبحث والرصد عن النيازك، حيث أجرى اتصالات مع تجار في السوق السوداء الليبية للأحجار الكريمة والنيازك. وحسب أحد التجار، الذي رفض الكشف عن اسمه، فإن للنيازك في ليبيا سوقًا ضخمًا يتم عبره تصدير هذه الأحجار إلى خارج البلاد بطرق غير قانونية. وأضاف:
“توجد أنواع عديدة من النيازك التي يتم تداولها في ليبيا، منها: النيازك الحديدية (Irons)، النيازك القمرية (Lunar)، النيازك المريخية (Martian)، الكوندريت (Chondrite)، الأوكريت (Eucrite)، والبالاسيت (Pallasite). وكل نوع منها له قيمة خاصة في السوق الدولي.”
ويضيف التاجر أن زجاج الصحراء الليبية، وهو زجاج طبيعي أصفر اللون يُعتقد أنه نتج عن تأثير نيزكي قبل نحو 28 مليون سنة، يعد من المواد النادرة والمطلوبة بشدة لخصائصه الميتافيزيقية واستخدامه في صناعة المجوهرات. هذا الزجاج، الذي يمكن العثور عليه فقط في موقعين معروفين عالميًا بحر الرمال الأعظم في مصر وجبل العوينات على الحدود بين ليبيا والسودان يتميز بلونه الأصفر المائل للأخضر، وبنيته الفقاعية الفريدة، ومحتواه العالي من السيليكا مع كميات ضئيلة من الألومنيوم والحديد والتيتانيوم والنيكل والكوبالت. ويُستخدم منذ العصور القديمة في صناعة الحلي، حيث تم تداول قطعه بين ثقافات مختلفة حول العالم.
كما رصد فريق المنصة وجود عدة صفحات على فيسبوك وسوق ليبيا المفتوح تُستخدم كسوق سوداء لبيع النيازك، حيث تُدار الأسعار كمزادات علنية. من بين العروض التي تم رصدها: عرض نيزك كوندريت يزن 21 كيلوجرامًا بسعر افتتاحي بلغ 260 دولارًا، وآخر لشحنة أحجار تُقدّر بـ 1200 كيلوجرام في بنغازي، بدأ سعرها من 2500 دينار ليبي. وقد فضّل العديد من البائعين النشر كمجهولين والاكتفاء بالتواصل عبر الرسائل الخاصة فقط.
وفي هذا السياق، يبرز مثال حديث على النيازك الليبية وهو نيزك حمادة الحمراء 346 (HaH 346)، الذي شوهد سقوطه المحتمل في أغسطس 2018 ككرة نارية ضخمة فوق منطقة جبل الغربي. وبعد أشهر، جُمعت مئات القطع التي تجاوز وزنها 100 كيلوجرام بالقرب من الشويرف. تميّزت هذه القطع بقشرة اندماج سوداء مطفأة وحديثة، ما يشير إلى حداثة سقوطها وعدم تعرضها للتآكل. وقد تم تداول هذه الأحجار في السوق تحت اسم “غدامس”، حيث اشترى تجار دوليون عشرات الكيلوغرامات منها.
التحاليل البتروغرافية والجيوكيميائية صنفت النيزك ضمن الكوندريت العادي من النوع L6، بدرجة صدمة مرتفعة (S5) وعدم وجود تجوية (W0)، وهو ما يعزز قيمته العلمية. وتؤكد الدراسات أن تركيبته تحتوي على الأوليفين والبيروكسين منخفض الكالسيوم، إلى جانب معادن مثل البلاجيوكلاز، الكروميت، الترويلِت، والحديد-النيكل. وقد خُصصت عينات من النيزك للدراسة في كل من المتحف الوطني للتاريخ الطبيعي في برلين (MNB) وجامعة ولاية أريزونا (ASU).
ويحذر خبراء من أن غياب التشريعات الواضحة في ليبيا يجعل هذه الثروات الطبيعية عرضة للاستغلال، ويحد من استفادة البلاد من قيمتها العلمية والاقتصادية، في ظل الطلب العالمي المتزايد على النيازك النادرة وزجاج الصحراء الليبية.