كَيُفَ أُقنعُهُم ؟

جمعة الفاخري

كَيفَ أُقْنِعُ القصيدةَ أنها ظلَّت تغمسُ خبزَها في إيدامِ روحي، ثم تزدردُ حُشَاشَةَ قلبي..!؟

ولا تشبع…

كَيفَ أُقْنِعُ اللَّحنَ المُثقلَ بشجنِ الصَّبَابَاتِ العتيقةِ أنه يئنُّ بشكوى روحي ثمَّ ينطفئانِ معًا..

ولا يسكتانِ..

كَيفَ أُقْنِعُ القادِّينَ قميصَ الحلمِ من سهرٍ؛ أنهم كانوا يُعَرُّونَ سَوْءَةَ المساءاتِ الحَيَّيَةِ.

فلا يتمادون..

كَيفَ أُقْنِعُ جُبَّ اللَّيْلِ السَّحِيقَ أنَّ السَّيَّارَةَ أَجَأهُمُ النُّعَاسُ إلى كهفِ الغيابِ الخَفِيِّ.

فلا ينتظرُهم..

كَيفَ أُقْنِعُ العصافيرَ إنني حينَ أفتحُ نافذتي لعناقِ الصَّبَاحِ؛

تنفرجُ لها نافذةُ قلبي.

فلا تفزعُ..

كَيفَ أُقْنِعُ صغيرًا يحتلُّني أن الحلوى التي تلذُّها شفتَاهُ قد بلغت سِنَّ الهرم.

فلا يبكِي..!؟

كَيفَ أُقْنِعُ طفلًا يسكنُنِي آنَ مُدَاهمةِ النُّعَاسِ أنَّهُ يتيمٌ من تربيتَةِ يدِ أُمِّي…

فلن يغفو..!!

كَيفَ أُقْنِعُ الصَّبِيَّ المُدْمِنَ تفتيشَ جيوبي بحثًا عن حلواهُ، أنَّ محفظةَ والدي لم تعدْ هنا…؟!

فلا يطمعُ..

كَيفَ أُقْنِعُ الحكايا البائتاتِ أنَّ الدِّفءَ الأثيرَ قد توارى معَ صوتِ جدَّتي..

فلا تثرثرُ…

كَيفَ أُقْنِعُ رأسي أنَّ يدَ أُمِّي ليست هنا ليَخُلدَ لهدوءٍ عميقٍ مُستكينٍ ..؟!

فلا يأسى..

كَيفَ أُقْنِعُ الفجرَ أن الغُفَاةَ يغفلونَ عنهُ وهو يُطَرِّزُ جُبَّةَ النَّهارِ قصائدَ ضوءٍ دفيئةً.

فلا يتوقَّفُ..

كَيفَ أُقْنِعُ الصَّبَاحَ الأنيقَ أنني أَنتظِرُهُ لأحتسيَ قهوةَ الضَّوءِ الأثيرةَ دفئًا من يَديهِ ..

فلا يتأخَّرُ..

كَيفَ أُقْنِعُ أُمِّيَ الشَّمْسَ أنِّني أَتركُ لها قلبي مفتوحًا لِتُرْضِعَهُ لَبَنَهَا الذَّهَبِيَّ صَفْوًا..

فلا تبخلُ..

كَيفَ أُقْنِعُ اللَّيْلَ أنَّ بائعيهِ بنومٍ بخسٍ، إنما يُلقونَ بالهَنَاءَاتِ الرَّطيبةِ في غَيَابَاتِ الخُمُولِ..

فلا يجزعُ..

كَيفَ أُقْنِعُ عُزلَتيَ الباردَةَ أنَّ دفئًا جهورًا ظلَّ يتغنَّى على أسماعِها الصَّمَّاءِ بمواويلِ التَّلاقي.

فلا تهجعُ..

كَيفَ أُقْنِعُ أصدقائي أنَّ ظهريَ ما يزالُ مُوَارَبًا على طعناتِهِمُ الثَّيِّبَاتٍ لكيلا ينسوا هوايتَهُم الفاحِشَةَ..

فلا يتوقَّفون…!؟

كَيفَ أُقْنِعُ الغيمةَ العقيمَ أنها محضُ مظلةٍ طارئةٍ، محضُ ظلٍّ نحيلٍ..

فلا تغترُّ..

كَيفَ أُقْنِعُ الشَّجرةَ العجفاءَ أنها مجرَّدُ مشروعِ فحمٍ.. محضُ وجبةٍ لنارٍ تتضوَّرُ اتٍّقادًا

فلا تتشامخُ..

كَيفَ أُقْنِعُ خريفًا عربيدًا أنَّهُ إرهابيٌّ يتبجَّحُ بقصفِ أرواحِ ضحاياهُ..

فلا يسرفُ..

كَيفَ أُقْنِعُ الأغنياتِ الدَّبقةَ إنهنَّ بعضُ اقترافاتٍ طائشةٍ لأعماقٍ يؤثِّثُهَا الصَّدَأُ القَتُولُ..

فلا تتسامى..

كَيفَ أُقْنِعُ الشِّعرَ أنني مجرَّدُ سَبَّاحٍ خجولٍ في لجَّتِهِ الهادرَةِ..

فلا يسحبُنِي لأعماقِهِ السَّحيقةِ..