محمد مهنا
الناقد الدكتور الأستاذ محمد مهنا يقدم قراءة في التجربة القصصية للقاص والروائي حسين بن قرين درمشاكي ويرتبها كالتالي :
_ مدخل :
في زحمة الأصوات القصصية الجديدة ، يطلّ القاص الليبي حسين بن قرين درمشاكي بخصوصية لافتة ، حيث لا يكتفي بتجريب القصة القصيرة جدًا (ق.ق.ج) في بعدها الحكائي ، بل يدفعها إلى أفقٍ شعريٍ فلسفي يجعلها أقرب إلى شذرات وجودية منه إلى حكايات مكتملة . نصوصه أقصر من أن تُروى ، لكنها أعمق من أن تُنسى ، لأنها تترك في القارئ أثر الرماد والغياب .
عوالم النصوص :
النصوص التي وقفنا عندها مثل : عبثًا أنفخ الكير، أطلس العظام، عزاء الغياب ، وفي رماد القحل ، تكشف عن عالم مشترك مهيمن ، يمكن تلخيصه في :
1. سوداوية الوجود :
الخراب هو الواجهة الدائمة ، سواء كان دخانًا أسود ، رمادًا باردًا ، أو أطلسًا من العظام . لا مكان للخصب أو الضوء إلا كطيف باهت يوشك أن ينطفئ.
2. الطبيعة كمرآة للفاجعة :
الأرض المتشققة ، الريح الصفراء ، الظلال الأقدم ، كلها رموز لا لخراب الطبيعة فحسب ، بل لخراب داخلي يعيشه الإنسان. الطبيعة هنا شريك في انكسار الحلم وليست إطارًا محايدًا.
3. الرمزية المكثفة :
بدل الحكاية المباشرة ، يعتمد الكاتب على صورة شعرية مكثفة تختصر معنا وجوديًا :
- الجعل وكرته رمز لعبث الكدح .
- الريشة السوداء رمز لعزلة الطائر والإنسان معًا.
- الرغوة البيضاء على الشاطئ كفنٌ لوداعٍ أبدي.
_ اللغة والأسلوب :
شعرية السرد : لغته أقرب إلى قصيدة النثر منها إلى القصة التقليدية . المفردة عنده ليست أداة للتوصيل بل وعاء للدهشة.
الإيحاء لا التصريح : لا يقدّم خطابًا مباشرا ، بل يفتح أمام القارئ مجالًا للتأويل.
المشهدية المتقطعة : نصوصه لوحات متتابعة ، تكتمل في ذهن القارئ لا في بنية السرد.
_ ثيمات مركزية :
يمكن حصر الطابع العام في ثلاث ثيمات كبرى :
1. الموت والغياب : ليس كحدث بيولوجي ، بل كحالة وجودية تتسرب في اللغة.
2. الوحدة والعزلة : تنتهي معظم نصوصه بصورة فردية (خطوة وحيدة ، ظل منفرد ، ريشة ساقطة) تعمق الإحساس بالعزلة.
3. الزمن الدائري : الخراب يعيد إنتاج نفسه ، كما في نهاية في رماد القحل حيث “لم يظهر على الجدران إلا امتداد الظلال الأقدم”.
_ خاتمة :
يمكن القول إن حسين بن قرين درمشاكي يكتب أدب الرماد والغياب ، حيث تتحول القصة القصيرة جدًا إلى مساحة تأملية في معنى الحياة والموت. نصوصه ليست للتسلية ولا للحكاية ، بل لإيقاظ القارئ على سؤال : ماذا يبقى بعد أن ينطفئ كل شيء؟
بهذا المعنى ، فإن تجربته تمثل إضافة نوعية للمشهد القصصي الليبي والعربي ، لأنها تؤكد أن القصة القصيرة جدًا ليست مجرّد شكل عابر ، بل أفق جمالي قادر على حمل الأسئلة الوجودية الكبرى بلغة مكثفة ورمزية آسرة.
