الأخبار الشاملة والحقيقة الكاملة​

2025-12-08

9:29 مساءً

أهم اللأخبار

2025-12-08 9:29 مساءً

أدب الرماد والغياب

محمد مهنا

محمد مهنا

الناقد الدكتور الأستاذ محمد مهنا يقدم قراءة في التجربة القصصية للقاص والروائي حسين بن قرين درمشاكي ويرتبها كالتالي :

_ مدخل :

في زحمة الأصوات القصصية الجديدة ، يطلّ القاص الليبي حسين بن قرين درمشاكي بخصوصية لافتة ، حيث لا يكتفي بتجريب القصة القصيرة جدًا (ق.ق.ج) في بعدها الحكائي ، بل يدفعها إلى أفقٍ شعريٍ فلسفي يجعلها أقرب إلى شذرات وجودية منه إلى حكايات مكتملة . نصوصه أقصر من أن تُروى ، لكنها أعمق من أن تُنسى ، لأنها تترك في القارئ أثر الرماد والغياب .

عوالم النصوص :

النصوص التي وقفنا عندها مثل : عبثًا أنفخ الكير، أطلس العظام، عزاء الغياب ، وفي رماد القحل ، تكشف عن عالم مشترك مهيمن ، يمكن تلخيصه في :

1. سوداوية الوجود :

الخراب هو الواجهة الدائمة ، سواء كان دخانًا أسود ، رمادًا باردًا ، أو أطلسًا من العظام . لا مكان للخصب أو الضوء إلا كطيف باهت يوشك أن ينطفئ.

2. الطبيعة كمرآة للفاجعة :

الأرض المتشققة ، الريح الصفراء ، الظلال الأقدم ، كلها رموز لا لخراب الطبيعة فحسب ، بل لخراب داخلي يعيشه الإنسان. الطبيعة هنا شريك في انكسار الحلم وليست إطارًا محايدًا.

3. الرمزية المكثفة :

بدل الحكاية المباشرة ، يعتمد الكاتب على صورة شعرية مكثفة تختصر معنا وجوديًا :

  • الجعل وكرته رمز لعبث الكدح .
  • الريشة السوداء رمز لعزلة الطائر والإنسان معًا.
  • الرغوة البيضاء على الشاطئ كفنٌ لوداعٍ أبدي.

_ اللغة والأسلوب :

شعرية السرد : لغته أقرب إلى قصيدة النثر منها إلى القصة التقليدية . المفردة عنده ليست أداة للتوصيل بل وعاء للدهشة.

الإيحاء لا التصريح : لا يقدّم خطابًا مباشرا ، بل يفتح أمام القارئ مجالًا للتأويل.

المشهدية المتقطعة : نصوصه لوحات متتابعة ، تكتمل في ذهن القارئ لا في بنية السرد.

_ ثيمات مركزية :

يمكن حصر الطابع العام في ثلاث ثيمات كبرى :

1. الموت والغياب : ليس كحدث بيولوجي ، بل كحالة وجودية تتسرب في اللغة.

2. الوحدة والعزلة : تنتهي معظم نصوصه بصورة فردية (خطوة وحيدة ، ظل منفرد ، ريشة ساقطة) تعمق الإحساس بالعزلة.

3. الزمن الدائري : الخراب يعيد إنتاج نفسه ، كما في نهاية في رماد القحل حيث “لم يظهر على الجدران إلا امتداد الظلال الأقدم”.

_ خاتمة :

يمكن القول إن حسين بن قرين درمشاكي يكتب أدب الرماد والغياب ، حيث تتحول القصة القصيرة جدًا إلى مساحة تأملية في معنى الحياة والموت. نصوصه ليست للتسلية ولا للحكاية ، بل لإيقاظ القارئ على سؤال : ماذا يبقى بعد أن ينطفئ كل شيء؟

بهذا المعنى ، فإن تجربته تمثل إضافة نوعية للمشهد القصصي الليبي والعربي ، لأنها تؤكد أن القصة القصيرة جدًا ليست مجرّد شكل عابر ، بل أفق جمالي قادر على حمل الأسئلة الوجودية الكبرى بلغة مكثفة ورمزية آسرة.

شارك المقالات:

مواقيت الصلاة

حالة الطقس

حاسبة العملة

PNFPB Install PWA using share icon

For IOS and IPAD browsers, Install PWA using add to home screen in ios safari browser or add to dock option in macos safari browser

Manage push notifications

notification icon
We would like to show you notifications for the latest news and updates.
notification icon
You are subscribed to notifications
notification icon
We would like to show you notifications for the latest news and updates.
notification icon
You are subscribed to notifications