عفاف عبدالمحسن
أحبتي في الله الساعين لباب إلى الجنة من تلك الأبواب الثمانية التي أعلمنا الله بها ورسوله الكريم صلى الله عليه وسلم هدانا وأهدانا بما نزل عليه من وحي في كتاب مكنون مصون فحثنا على سبل الخلق السليم فالدين المعاملة وسبل رفع الإسلام دينا حنيقا حقيقا وما الدين عند الله إلا الإسلام .. وحثنا على الجهاد في سبيل الله بكافة أنواع الجهاد بدء بجهاد النفس وهو أصعب الأنواع ووصولا للجهاد بالتعلم واستقاء المعرفة ومن سار في طريق للعلم فهو في سبيل الله حتى يرجع ورفع المتعلمين عن الجهلاء درجات كما من علم لغة قوم أمن شرهم وأبعاد هذا الحديث الشريف عن رسولنا عليه السلام كبيرة إذ لا يعني أن نتعلم لغة أقوام أخر بل وحتى نستقي ثقافات ونكون قبلا مسيجين بديننا مثقفين بما لدينا كي لا ننسحب وراء اهوجاجات قد تودي بنا لغير سبيل الحق ولدينا من القيم ما يكفي ويزيد كي نمنحه نحن كمسلمين للآخرين .
كلنا راودتنا أفكار ونحن نصل لمرحلة الإيمان بالله وهي التسليم بالقلب بوجوده سبحانه فتوقفنا نتأمل ونفكر مليا وبعضنا وصل أن معرفة الله عز وجل تتميز بأنها معرفة يقينية وفوق التطور .. فالإنسان ينمو في معرفته وأحيانًا يتطور أو يتغير حتى يصل إلى معرفة يعتبرها ثابتة وفي كثير من الأحيان هي معارف تثبت ثم تتغير مع الزمن وحسب روح عصرها ودلائل كثيرة للتطورات المعرفية كل يوم في يومياتنا وقد كانت للإنسان قصة متناقضة في موضوع الذرة وانقسامها إلى أن استقر علي معرفته الحالية وكذلك مر بمأساة بشرية بين انبساط الأرض وكرويتها حتى وصل إلى هدي بالرجوع للمعنى اللغوي لدحا في لغة العرب القديمة ومقارنة أشعارهم بما يمعن الكلمة في الأبيات ورجوعا قبل هذا وذاك عند قوله تعالى : (( والأرض بعد ذلك دحاها أخرج منها ماءها ومرعاها والجبال أرساها )) وقد كان من قبل يحكم بالموت علي من يحاول أو يصل للمعرفة أو يقول بذلك ومازال البشر من جهة أصل الإنسان ونظرية التطور في اختلاف بين ما يقوله الدين وما يقوله بعض علماء الجينات وعلماء الآثار والحفريات خاصة عن الحلقة المفقودة بين الإنسان والقرد.. وعلينا أن نتيقن أن الله خلق الإنسان وكرمه عن سائر المخلوقات شكلا وكذا ميزه بالعقل والتدبر والتدبير
إذن أمور كثيرة نري فيها معرفة الإنسان ¬وبخاصة العلماء¬ لم تصل إلى مستوي اليقين بعد، إنما هي مجرد محاولات للوصول.. أما معرفة الله فهي معرفة يقينية في كل شيء لا تقبل الشك. والله ¬سبحانه وتعالى خالق الوجود كما يعرف¬ يمنح أيضًا المعرفة للإنسان في الأمور التي لا يستطيع أن يصل إليها إلا بمفاتيح يهبها الله له ليصل لما يريده أن يصل إليه كونه خليفته على الأرض خلق ليعمرها وليوحد الله ويعبده الله جل في علاه كما انه كليٌ المعرفة هو أيضًا مانح المعرفة ونحن نعرف أمورًا عديدة بعقولنا فهو الذي منحنا هذه العقول بكل مداركها وقدراتها وكثيرًا ما يكشف لنا أمورًا فوق قدراتنا الطبيعية أن نعرفها وحتى أنبياء الله منحهم المولى وحيا إلاهيا ومعرفة بالأمور ومعجزات لتوصيل رسالته لعباده .. كل هذه المعارف التي ندركها بفعل المولى عز وجل إنما باب إلى الجنة .
حكمة المولى الكريم الرحيم معنا وبنا جعل معرفة الإنسان تأتي عن طريق التدرج فخطوة منها تقود إلى خطوة أخرى .. وبعض ما نعرفه كان بالفطرة فكيف يعرف الطفل الرضيع أول ما يولد أن يبحث عن ثدي أمه كي يرتشف لبنها ليأكل وأن الصراخ هو طريقه الوحيد قبل تعلمه الكلام والإشارة حتى ليقول أنا جائع أنا متسخ أنا مريض .. وحين يكبر فالتدرج في المعرفة يقي عقله من التشويش والتذبذب حتى كتاب الله عز وجل في كثير من الآيات المحكمات كان يدرج لنا النواهي والمحرمات ومواضع التشريع التي لا جدال فيها بعد معرفتها تامة كاملة فكان الوحي يتنزل على رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم آية آية .. ومعرفتنا بالكون حولنا والوجود بما يريد الله أن نعرفه جاءت ببحث لعالم معين يكمل مجهودًا لعالم آخر حتى يصل الجميع إلى نتيجة ثابتة ..عنصر التدرج أيضًا يكون في علاج كل مريض مع متابعة كل خطوات علاجه واستجابته له.
نفس التدرج نجده في حلِ أي تمرين هندسي وفي شرح أي علم حتى يستوعبه الذهن البشري نقطة إثر نقطة .. كذلك كل إنسان في تلقيه للعلم يتدرج من مستوى إلى مستوىً أعلى وفي معرفته ينمو شيئا فشيئا .. أما الله عز في علاه وتجلى جل جلاله مالك الملك .. فلا تدرج مطلقا في معرفته ، إنه سبحانه يعرف كل شيء هو خالقه ومبدعه ومسيغه ومستسيغه دفعة واحدة وليس خطوة فخطوة .
سبحانه وتعالى نهاية كل شيء واضحة أمامه مع بداية هذا الشيء .. فكان لزاما علينا ونحن نبحث عن المعرفة وكيف توصلنا إلى الله بالقلب والإحساس والإدراك العقلي من بعد التمعن في خلق الله لكل مخلوقاته بدء بأنفسنا ونظامنا الدقيق الذي نحن عليه في أعدل خلق بقوله تعالى ( لَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ) فبكل هذه المعرفة الدقيقة والتقرب إليه .. تُفتح لنا أبواب السماء فنؤمن قبلا أن هناك أمور لا يعرفها إلا الله سبحانه ، ولم يكشفها لنا بعد وربما لن يكشفها مطلقا ( وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ) ومن بين ما حاول العلماء أن يسبروا غوره والفقهاء وتفسيراتهم العديدة لكافة السور الكريمة والأحاديث الشريفة .. (( الروح وكنهها والحياة والموت وتوقيت الساعة .. كما علينا أن لا نسأل عن أشياء إن تبدى لنا تسوؤنا .. فأمر الروح مثلا وكيف تفارق الإنسان؟ وكيف تعود إليه ؟ وكيف تكون قيامة الأجساد من الموت؟ ومتى يكون ذلك؟ وكيف تتغذي الروح في العالم الآخر؟ وما كنه ذلك العالم وأين يكون؟ )) تلك معارف لله وحده فهو وحده جل في علاه الذي يعرف الحق كله بل هو الحق جل جلاله نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله عليه الصلاة والسلام .