محمد إسويسي
لماذا نمجد القعقاع أكثر من ابن سينا؟
لماذا نُعلي من قيمة “الفارس الغاضب” أكثر من قيمة “العالم المفكر” ؟
لماذا لا يخرج جيل عربي يتفاخر بابن الهيثم كما يتفاخر بعنترة؟
حين نتحدث عن الفروسية في الوجدان العربي، غالبًا ما نحصرها في صورة “الفارس” الذي يشهر سيفه في وجه الأعداء، ومن هم هؤلاء الأعداء ، إنهم أبناء جلدتهم ، فنمجد القوة، والقتال، والثأر، بينما يتم تجاهل العقول التي أنارت التاريخ، والمشاريع التي بنت الحضارات.
نُعيد ونُكرر تمجيد عنترة بن شداد، وننسى أن قصته في جوهرها توثيق لحالة عنصرية صارخة، إذ لم يُعترف به ابنًا شرعيًا لقبيلته إلا بعد أن أثبت “جدارته” في الدم.
نُعيد إنتاج “تغريبة بني هلال” بكل ما فيها من فوضى، وغزوات، وتمردات، ونصفق لـ”أبوزيد الهلالي” (سلامة)، الذي رفضه والده فخرج من مضارب أهله، ليعود قاتلًا محترفًا، يقود أول ميليشيا قبلية منظمة خرجت من الجزيرة، لا لتحرير، بل لتوسيع دائرة الصراع بدعم من السلطات (المعتز الفاطمي ..وابن باديس). ما نراه بطولة، هو في حقيقته عسكرة للغضب الشخصي.
نحتاج أن نسأل أنفسنا بصدق لماذا نمجد القعقاع أكثر من ابن سينا؟
لماذا نُعلي من قيمة “الفارس الغاضب” أكثر من قيمة “العالم المفكر”؟
لماذا لا يخرج جيل عربي يتفاخر بابن الهيثم كما يتفاخر بـ عنترة؟
الجواب بسيط ومؤلم:
لأن العقلية العربية التقليدية ما زالت أسيرة السردية البطولية الغيبية، لا السردية العلمية الواقعية. ما زلنا نبحث عن “بطل يُنقذ”، لا عن “فكر يُنير”.
والأخطر: أن هذا الترويج للوهم يخدم أنظمة ترى في “الفارس الطائع” ضمانًا لاستمرارها، بينما ترى في “العقل المفكر” تهديدًا لها.
لا نرفض التراث، لكن نرفض أن يتحول إلى أداة تعطيل للعقل.
لا نُهين الفروسية، لكن نريد أن نضعها في حجمها الطبيعي، لا أن نجعل منها معيارًا للرجولة والبطولة.
حان الوقت لإعادة كتابة الوعي
بعقل ، لا بخنجر.
بفكر، لا ببطولات أسطورية مغموسة بالدم.
بالإعمار الذي يتزامن مع إعمار العقول
نريده إعمارا لا يسقط الذاكرة
بل ينطلق من أنقاض الدمار الى معاقل الفكر.