الختم القرمزي

مجدالدين العماري

[الشمعة المهتزة]

اهتزت لهبَة الشمعة على المكتب الخشبي، مرسمة ظِلالاً متكسرة على الجدران الحجرية. كانت الغرفة غارقة في صمت ثقيل، يقطعه فقط حفيف الستائر التي يلاعبها الريح. على الطاولة، أمامه، ظهرت ظرف أصفر اللون، بختم شمعي قرمزي لم يُكسَر. نقش عليه رمزٌ يعرفه جيداً: طائر يبسط جناحيه فوق زهرة الياسمين. 

ارتجف قلبه. عشر سنوات منذ أن اختفت. عشر سنوات من الأسئلة التي تدور في الفراغ. الآن، هذه الرائحة… رائحة الياسمين التي تسربت من الظرف، كأنها تناديه من عالم آخر. 

بيدين ترتجفان، كسر الختم. الداخل كان رسالة بخطها المائل الرقيق: 

“إذا تقرأ هذه الكلمات، فالقدر لم يرحمنا. لكن الأمل باقٍ. تعال إلى الكنيسة القديمة عند حافة الغابة. ستجد الإجابات… وربما تجدني.”

أغمض عينيه. هل كان يحلم؟ لكن برد الليل الذي تسلل من النافذة ذكّره بأن اليقظة أقسى. 

[المعبد والشجرة العارية]

كانت الغابة تئن تحت وطأة الرياح. أوراق الشجر الجافة تطحنها الأقدام وهو يسير في الدرب الضيق. المعبد ظهر فجأة، كجثة متهالكة: جدران متشققة، نوافذ محطمة، لكن من داخله… نور خافت يتأرجح. 

عندما دخل، وجدها واقفة أمام المذبح. شعرها الأسود يلتهم نور الشموع، وعيناها الرماديتان تنظران إليه كما لو أنهما تحملان قروناً من الأسئلة. 

— جئت… — همست بصوتٍ يكاد يذوب في الهواء. 

اقترب منها ببطء، يداه تبحثان عن الدفء في يديها، لكنهما كانتا باردة كالحجر. 

— كيف؟ — سأل، صوته كالسكين الذي يجرح صمت المكان. 

— لعنة… — أجابت، نظراتها تهرب نحو الظلال. — إما أن تكسر الختم فأختفي، أو تبقى هنا… إلى الأبد. 

[القرار الذي لم يُنطَق]

لم يحتج الأمر إلى تفكير. الحياة بدونها كانت مجرد شمعة تنطفئ في رياح. أمسك الختم القرمزي من على المذبح، وشعر بثقل القرون كلها بين أصابعه. قبل أن تتمكن من الاعتراض، كسره. 

انفجر صمت الليل بزئير مجهول، وانطفأت الشموع. في الظلام، رأى نوراً أزرق يلفها، يذوب جسدها فيه ببطء. لكن قبل أن تختفي، أمسك بيدها… 

[ما بعد الصمت]

لم يعد هناك رياح، ولا غابة، ولا معبد. فقط ضوء أبيض لا نهائي، ووجهها يبتسم له. 

— لماذا؟ — همست، دموعها تذوب في الفراغ. 

أدار كفيه، ليجد خاتم الزواج القديم قد تحول إلى ختم قرمزي. ابتسم: 

— لأن الشمس تشرق حيثما تكونين. 

[النهاية… أو البداية؟]

في القرية، يحكون عن رجل اختفى ذات ليلة. لكن أحداً لم يلحظ أن شجرة ياسمين نبتت عند حافة الغابة، تلتف حول حجرين ملقىين بجانب كنيسة خربة.