برزت في الآونة الأخيرة مؤشرات توتر متصاعد بين حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة وجهاز الرّدع لمكافحة الإرهاب، إلا أن معطيات عدة تجعل خيار المواجهة العسكرية المباشرة بين الطرفين مستبعدًا، في ظل تفكك التحالفات داخل العاصمة وضغوط إقليمية ودولية متزايدة.
عضو مجلس النواب عمار الأبلق اعتبر أن حكومة الدبيبة غير قادرة على الدخول في مواجهة مع قوة الردع، مشيرًا إلى أن خلافاتها مع المجلس الرئاسي برئاسة محمد المنفي أبرزت هشاشة جبهتها الداخلية.
وأوضح الأبلق أن المجلس الرئاسي لم يشارك في الهجوم الذي شنّته قوات موالية للدبيبة في مايو الماضي على جهاز دعم الاستقرار، برئاسة عبد الغني الككلي الملقب “غنيوة”، بل دعا إلى وقف القتال بعد مقتل الأخير، وسارع إلى تعيين قيادة جديدة للجهاز.
ورأى الأبلق أن هذه الخطوات تعكس رغبة الرئاسي في الحفاظ على الردع ودعم الاستقرار كأجهزة أمنية تابعة له، مؤكّدًا أن استعانة الدبيبة بمجموعات مسلحة لمواجهة الردع أفقدته المصداقية في شعاراته المتعلقة بإنهاء نفوذ الميليشيات وفرض سلطة الدولة.
وأضاف أن الضغوط الدولية تمثل عاملًا رئيسيًا في منع اندلاع مواجهة مباشرة، حيث تخشى دول إقليمية وغربية من انفجار أمني يعيد العاصمة إلى الفوضى ويضر بمصالحها.
من جانبه، قلّل عضو مجلس النواب علي التكبالي من احتمال اندلاع مواجهة مفتوحة بين حكومة الدبيبة وقوة الردع، متوقعًا أن تُحسم الأزمة عبر تسوية سياسية ولو في مدى زمني بعيد.
وأكد أن التحشيدات الأخيرة لم تكن استعدادًا لمواجهة، بل استعراضًا للقوة من جانب الدبيبة للضغط على الردع وإظهار نفسه بمظهر المسيطر على العاصمة.
وأضاف التكبالي أن الأرتال التي استُقدمت من خارج طرابلس، خصوصًا من مصراتة، توحي وكأنها مواجهة ضد عدو خارجي، وليس جهازًا أمنيًا داخل العاصمة.
واعتبر أن الدبيبة يواجه مأزقًا مزدوجًا، إذ لا يستطيع التراجع بعد وصفه الردع بالميليشيا الخارجة عن القانون، وفي الوقت نفسه يخشى من تبعات أي هجوم قد يوقع ضحايا مدنيين ويقوض رصيده السياسي.
بدوره، أشار عضو مجلس الدولة عادل كرموس إلى أن سيطرة المجموعات المسلحة حتى على القرار السياسي باتت أمرًا واضحًا، معتبرًا أن الحكومة تسعى حاليًا إلى بسط سيطرتها وإنهاء تدخل هذه التشكيلات في شؤونها، وهو ما يواجه رفضًا من بعض الأطراف.
وانتقد كرموس دور الأمم المتحدة، واصفًا تأثيرها في القضايا الأمنية بالضعيف، حيث تكتفي بالدعوات إلى ضبط النفس، بينما تتحمل الحكومة المعترف بها دوليًا مسؤولية حفظ الأمن تحت الفصل السابع.
وأشاد كرموس بالدور المصري في تحقيق التقارب بين الأطراف الليبية، معتبرًا أن المسار الأممي هو الإطار الواقعي المتاح حاليًا، معربًا عن أمله في التوصل إلى حكومة موحدة تفرض سيطرتها على كامل التراب الليبي قبل الاستحقاقات الانتخابية المقبلة.
وفي سياق متصل، أكدت رئيسة الحكومة التونسية سارة الزعفراني ثبات موقف بلادها من الأزمة الليبية، مشددة على أن الحل لا يكون إلا عبر حوار ليبي – ليبي خالص، بعيدًا عن أي تدخل أجنبي.
وأوضحت الزعفراني، خلال مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، أن تونس تؤمن بحق الشعوب في خياراتها الوطنية بعيدًا عن الإملاءات الخارجية، مشيرة إلى أن بلادها ستواصل دعمها للجهود الرامية إلى استقرار ليبيا بما يحفظ وحدتها وسيادتها ويحقق تطلعات شعبها في الأمن والتنمية.