محمد مهنا
القراءة السايكو نصيّة هي مقاربة نقدية تتجاوز التحليل الأدبي التقليدي إلى تفكيك النص من الداخل نفسياً، بحيث : تُعنى بالكشف عن العقد النفسية ، والهواجس الداخلية ، والرغبات المكبوتة التي تفيض عبر اللغة والرموز.
تركز على المستوى اللاواعي في النص : ما يقوله الكاتب ضمناً أو ما يحاول ستره خلف الصورة والرمز.
تعتبر النص السردي (حتى لو كان ق.ق.ج) مرآة لذات الكاتب ومكبوتاته الجمعية ، كما هو صدى لقلق وجودي أو نفسي .
بعبارة أخرى : هي قراءة تُنصت للـ”مكبوت” وللاشتغال النفسي خلف الكلمات ، لا للظاهر الحكائي فقط.
. تطبيق القراءة السايكو نصيّة على نصوص حسين بن قرين درمشاكي
1. عبثًا أنفخ الكير :
النص في ظاهره : يشي بصورة إنسان يحاول إذكاء النار في كير خامد ، لكن محاولته عبثية .
التحليل النفسي : يعكس هذا النص صورة الإحباط واللاجدوى . الكير رمزٌ للقدرة على الإحياء أو الإشعال (أي التغيير)، بينما فشل النفخ يشي بإحساس الكاتب/الذات الساردة بالعجز عن استعادة الحماسة أو الفعل . هنا يطفو شعور العجز النفسي المزمن أمام واقع قاسٍ. إنها محاولة “إحياء ميّت” أو “بث روح في ما لا حياة فيه”، وهو إسقاط نفسي على الإحباط الجمعي.
2. أطلس العظام :
الظاهر : صورة لأطلس (خريطة) ولكن مكونة من العظام.
التحليل النفسي : تتجلى هنا رؤية تراجيدية للعالم ؛ الخرائط التي يفترض أن ترسم الحياة والتحرك صارت مرسومة على الموتى . هذا يكشف عن تمركز اللاوعي حول الموت ، حيث تتحول الذاكرة الجمعية إلى مقبرة ممتدة . النص يستبطن شعوراً بالاختناق من واقع مليء بالموت ، وكأن الأنا الساردة تبحث عن “خريطة حياة” فلا تجد إلا “هياكل عظمية”. إنه انعكاس لقلق وجودي عميق.
3. عزاء الغياب :
الظاهر : صياغة توحي بطقس حداد ، لكن ليس على موتى ، بل على “غياب”.
التحليل النفسي : هنا تتجلى الحسرة والحداد النفسي على ما لم يتحقق أو ما ضاع. النص يُظهر ميكانزم نفسي هو إضفاء طقس جنائزي على الفراغ. فالذات تعيش الحداد لا على شخص ، بل على معنى غائب أو وطن مفقود أو أحلام تبخرت. إنها كآبة فقدٍ مضاعف : فقد الحضور وفقد
4. في رماد القحل :
الظاهر : القحل هو اليباس والقحط ، والرماد أثر احتراق. اجتماع الرماد والقحل يعني موت الحياة مرتين.
التحليل النفسي : النص يعكس أقصى درجات الانكسار النفسي ؛ فالمكان بلا حياة (قحل)، وما تبقى مجرد رماد (أثر احتراق). هذا المشهد الداخلي يدل على رؤية “أرض نفسية قاحلة”، حيث تستبد بالكاتب مشاعر اليأس، الجدب الروحي، واستحالة الإنبات من جديد. إنه إعلان عن “موت الداخل” أكثر من “موت الخارج”.
5. مرتع الرماد :
الظاهر : المفارقة هنا أن “المرتع” هو مكان اللعب والخصب، بينما “الرماد” هو النهاية والخواء.
التحليل النفسي : هذا التناقض يشي بـ انشطار الذات بين التوق إلى الحياة والاصطدام بالموت. كأن النص يكشف عن صراع داخلي بين الرغبة (في المرعى والخصوبة) والواقع (رماد وانطفاء). هنا يبرز اللاوعي الجمعي الذي يرى أن مكان الفرح صار مسرحاً للخراب.
٠ الخلاصة السايكو نصية :
مجمل هذه النصوص القصيرة جداً تنبني على ثيمات الموت ، الرماد ، العدم ، والعجز. وهذا يعكس :
سيطرة هاجس الفناء في لاوعي الكاتب.
حضور قوي لإحساس الجدب الروحي والوجودي.
كتابة تنبع من مكبوت جماعي مأزوم أكثر مما تنبع من ذات فردية فقط ؛ فالقحل والرماد والعظام هي صور “ذاكرة جمعية” لوطن منكوب أو تاريخ مثقل بالخذلان.
إنها كتابة مكثفة تختزل في ومضاتٍ صغيرة جروحاً نفسية عميقة ، تُفصح عن ذاتٍ مأزومة بالغياب والعدم ، حيث الموت ليس حدثاً عارضاً بل بنية وجودية تسكن النصوص.
