في محاولة جديدة لإنهاء النزاع المستمر في السودان منذ أكثر من عامين، طرحت اللجنة الرباعية المكونة من الولايات المتحدة، السعودية، الإمارات ومصر، يوم الجمعة، خارطة طريق جديدة تهدف إلى تسوية شاملة للأزمة. وتضمنت المبادرة دعوة لوقف إطلاق نار إنساني لمدة ثلاثة أشهر، يليها مسار انتقالي يُستكمل خلال تسعة أشهر.
وأكدت اللجنة أنه لا يوجد حل عسكري للصراع، مشيرة إلى أن الوضع الراهن يفاقم معاناة المدنيين ويهدد الأمن والاستقرار الإقليمي. ورغم ترحيب بعض القوى السياسية السودانية بالمبادرة، أعربت وزارة الخارجية السودانية، يوم السبت، عن تحفظها عليها دون الإشارة صراحة إلى اللجنة الرباعية.
الرباعية: مصير الحكم بيد الشعب
أكد بيان اللجنة الرباعية أن مستقبل الحكم في السودان يجب أن يحدده الشعب نفسه من خلال عملية انتقالية شفافة، خالية من سيطرة أي من طرفي النزاع. كما شددت على ضرورة وقف الدعم العسكري الخارجي لجميع الأطراف، معتبرة أنه يطيل أمد الحرب ويزعزع الاستقرار في المنطقة.
وأعرب الوزراء عن التزامهم بالتعاون مع المؤسسات الدولية والإقليمية لتحقيق السلام، مؤكدين مواصلة جهودهم في المتابعة والتنفيذ، بما في ذلك دعم العملية السياسية في جدة التي تقودها السعودية وأميركا، ومبادرة مصر لعقد ملتقى القوى المدنية في يوليو 2024.
يُذكر أن البيان صدر بالتزامن مع فرض وزارة الخزانة الأميركية عقوبات على “كتيبة البراء بن مالك” ، وعلى وزير المالية السوداني جبريل إبراهيم، في إطار مساعٍ أميركية لمكافحة التطرف ووقف دعم الجماعات المسلحة.
موقف الحكومة السودانية
أعربت وزارة الخارجية في الحكومة السودانية، السبت، عن تحفظها على مضمون الخريطة من دون ذكر اللجنة الرباعية وفي بيان رسمي، وأعلنت الحكومة السودانية ترحيبها بأي جهود دولية أو إقليمية تدعم إنهاء الحرب، لكنها شددت في الوقت نفسه على رفض أي مبادرات لا تحترم سيادة الدولة ومؤسساتها الشرعية. كما نددت بالهجمات التي تنفذها ” الدعم السريع” بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، ووصفتها بـ”المليشيا الإرهابية”، مطالبة بتفكيكها ورفع الحصار عن المدن السودانية.
وأضاف البيان أن الحكومة ترفض المساواة بينها وبين “مليشيا إرهابية عنصرية” تستعين بمرتزقة أجانب، معتبرة أن الانخراط في أي عملية سياسية يجب أن يُبنى على احترام السيادة الوطنية وشرعية مؤسسات الدولة، دون أي تدخل خارجي.
ترحيب الدعم السريع ببيان الرباعية
من جانبها، رحبت الحكومة الموازية التي تمثل “قوات الدعم السريع” بالبيان الصادر عن الرباعية، مؤكدة استعدادها للانخراط في عملية سياسية شاملة تفضي إلى وقف الحرب وبناء الدولة على أسس معالجة جذور الأزمة السودانية. كما رحبت بجهود المنظمات الإنسانية، وعبّرت عن تأييدها للفقرة التي تحدثت عن ضرورة عزل الجماعات المتطرفة المرتبطة بحزب المؤتمر الوطني و”كتيبة البراء”.
ويشهد السودان منذ 15 أبريل 2023، صراعاً مسلحاً بين الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات “الدعم السريع”، أسفر عن مقتل وإصابة الآلاف، وتشريد ملايين المدنيين. كما يخضع الجانبان لعقوبات أميركية منذ يناير/كانون الثاني الماضي.
دعم سياسي واسع لمبادرة الرباعية
لاقى بيان اللجنة الرباعية ترحيباً واسعاً من عدد من القوى السياسية السودانية. حيث أعلن “التحالف المدني الديمقراطي لصمود”، بقيادة عبد الله حمدوك، دعمه للمبادرة، مشيراً إلى أنها تمثل خطوة مهمة نحو وقف الحرب، ودعا أطراف النزاع إلى الالتزام بها.
كما اعتبر “التحالف الديمقراطي للمحامين السودانيين” أن البيان يشكل إشارة إيجابية لاهتمام المجتمع الدولي بمعاناة المدنيين، ويعكس قناعة متزايدة بأن الحل العسكري لم يعد خياراً قابلاً للاستمرار.
تحليلات وتباين في المواقف
رأى المحلل السياسي صلاح مصطفى أن البيان الرباعي سعى إلى التوازن بين مصالح ومطالب الأطراف المختلفة، مشيراً إلى أن صدوره تزامن مع توافق نادر بين الدول الأربع، رغم تضارب مواقفها، خصوصاً بين مصر الداعمة للجيش والإمارات التي تُتهم بدعم “الدعم السريع”.
وأضاف أن الولايات المتحدة استخدمت العقوبات كأداة ضغط على الجيش لدفعه نحو التسوية، خاصة بعد تحقيقه تقدماً ميدانياً في كردفان، ما قد يُفهم على أنه محاولة لكبح جماحه.
أما المحلل مجدي عبد القيوم، فاعتبر أن بيان الرباعية لا يحمل جديداً سوى محاولة وضع “الدعم السريع” على قدم المساواة مع الجيش، وهو ما وصفه بأنه مرفوض شعبياً، داعياً الحكومة السودانية إلى التعامل مع المبادرة كغيرها من المبادرات غير الرسمية.
من جانبه، أكد الصحافي السوداني صلاح المليح أن البيان يمثل فرصة حقيقية يجب استغلالها، لا سيما دعوته لهدنة إنسانية لمدة ثلاثة أشهر، وهو ما قد يُنقذ حياة الملايين في مناطق الصراع. ولفت إلى أن رفض بعض الأطراف للمبادرة يعكس مصالح ضيقة لدى مستفيدين من استمرار الحرب.