يونس الفنادي
كانت مهمة صحف الشعبيات في حقبة زمنية مضت .. وتقرأ بنهم ويأخذ بها كل مقالة في الرأي تكتب فيها بل تغير أشياء كثيرة وعن الصحف الورقية أتحدث .. كتب الفنادي الناقد المهم حول هذا الموضوع الذي مازال يتكرر ليومنا هذا وبذات الإقصاء للمبدعين الليبيين في المجال الإعلامي ” فني تصوير . فني صوت . مذيع . مدقق لغوي . فني مونتاج وجرافك . فني مكساج . مخرج تلفزيوني . مخرج إذاعي . فني إضاءة ….إلخ “
فقال : نشرتُ هذه المقالة بصحيفة “الشط”، العدد رقم 978 الصادر بتاريخ 4 / 5 / 2010م _ ونشعر جميعا وليس هو فقط أن وقتها اليوم آن إذ تتكرر ذات الصورة النمطية المأخوذة عن الليبي مقارنة ظالمة بالآخر .
_________________**
بقدر ما يسعدني إقامة مشروع أو إحياء مناسبة ما في أي مدينة من مدن بلادي، أو تنظيم احتفال بصدور كتاب، أو افتتاح معرض للوحات التشكيلية، أو إحياء حفل فني أو منح جائزة علمية أو أدبية تقديراً لأحد أبناء وطني، بقدر ما يستفزني احتضان الآخر على حساب مجد وهوية وتراث هذا الوطن وإبداعات أبناءه النجباء، وهو الأمر الذي صرت ألمسه خلال الآونة الأخيرة في الكثير من البرامج والجوائز والمهرجانات والتكريمات.
فما معنى أن نفتتح قناة فضائية ونجلب لها من الخارج طاقماً يسيرها ويخطط لمواضيع برامجها وتنفيذها تقنيا؟
وما معنى أن نتعاقد مع مذيع من الخارج ليعد ويجري لقاءات مع فنانيا وأدباءنا وهو بالكاد يعرف شيئاً يسيراً وبسيطاً عنهم؟
وما معنى أن نصدر مطبوعة نستكتب لها من الخارج من يحدد مسارها وتوجهها ويضع أبوابها وينفذها؟
وما معنى أن نكتب عملاً فنياً ونحضر المطربين والملحنين والراقصين والمدربين والمصورين من الخارج؟
وما معنى أن نعلن عن جائزة أو احتفالية ونختار شخصية من الخارج لتكريمها وتسليمها جائزة أو مكافآة؟
وما معنى أن ننظم مؤتمراً وكل الورقات المقدمة فيه لا يوجد بينها ورقة لأستاذ أو باحث ليبي؟
ما معنى هذا؟
هل هو إقصاء أم تهميش؟ أم أن خزائن هذا الوطن لا تصب إلا في جيوب الآخرين؟
هل هو كرم حاتمي من نوع جديد؟
أم أنه طمس حقيقي لهويتنا وشخصيتنا التي نضعها باختيارنا دائماً للأسف في الصفوف الخلفية بينما نجلس الآخرين دائماً في المقدمة، ليسوا لأنهم أفضل من أبناءنا عطاءً أو إبداعاً ولكن ربما لأنهم يحسنون ابتداع الكلام بالثمن المحدد ويختارون ربطات عنق منمقة تجمل ظاهرهم بالشكل الذي يخفي حقيقة بواطنهم؟
لا يمكن لأي أمة أو قبيلة أو عشيرة أو شعب أن يستنهض همته ما لم يؤسس هوية وطنية يرتكز عليها ويستمد منها الطاقة التي تصل به إلى المراتب الأعلى. ولا يمكن لأي وطن أن يستوطن قلوب أهله إلا إذا احتضنهم بدفء واعتزاز وفخر وقدم إبداعاتهم إلى الآخر بكل احترام وتقدير بالوجه الحضاري المشرف.
فلماذا نستصغر ذواتنا الوطنية المبدعة في شتى مجالات الأداب والفنون والبحوث والعلوم، ونستهين بمجدنا الذي سطره أجدادنا البواسل وأسلافنا النوابغ في ماضي حياتنا وسجلته كتب التاريخ ودونته في وثائقه.
لا شك أن منطق “لا كرامة لنبي بين أهله وقومه” يتغلغل في نمط تفكيرنا منذ عقود فمتى نتخلص من هذا الإرث السلبي ونحتفي بأساتذتنا ومبدعينا قبل الآخرين أياً كانوا؟
في هذا الموقف أتذكر ما سطره الأستاذ المرحوم سليمان كشلاف في رده على الكاتب المصري جمال الغيطاني الذي اعتبر أن إصدار صحيفة “أخبار الأدب” المصرية حدثاً غير مسبوق، فذكَّره المرحوم كشلاف بأن صحيفة “الأسبوع الثقافي” التي كانت تشع من طرابلس قد سبقت “أخبار الأدب” القاهرية بعقود، كما أن صحيفة “طرابلس الغرب” الليبية الصادرة سنة 1866م قد سبقت جريدة “الأهرام” المصرية بحوالي عشر سنين حين صدرت سنة 1876م .. قبل أن نحتفي بالآخر لابد أن نعطي حقوق مبدعينا وما يستحقونه من تقدير واحترام، كما أنه قبل أن نرسل أقدامنا إلى الأمام لابد أن ننظر خلفنا، وإلا فلن نصل إلى تحقيق أي هدف على الإطلاق .