طرح رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي رؤيته السياسية أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الـ80.
وأكد المنفي أن رؤيته مبنية على أربعة أركان رئيسية هي استعــادة السيـــادة الوطنيــة الكاملــــة، ورفض كل أشكال التدخل الأجنبي، أيا كانت صيغته أو مبرراته والوصول إلى توافق وطني جامع أدعوا إلى عقد حوار وطني صادق وشامل، يُعقد داخل ليبيـــا، بمشاركة كل الأطراف الفاعلة دون إقصاء وتوحيد المؤسسات السيادية، وعلى رأسها مؤسسات الأمن، والدفاع، والماليــــة، وفق آليات مهنية لا تخضع للاستقطاب أو المحاصصة وإنهاء المرحلـــة الانتقالية عبر قاعدة دستورية واضحة، وانتخابات حرة وشفافة، يختار فيها الليبيون من يحكمهم بإرادتهم، دون وصاية أو فرض خارجي.
وأضاف المنفي في الوقت الذي نحتفل فيه مناسبة الذكــرى الثمانين لتأسيس منظمة الأمم المتحدة، فإننا نُحْيي كذلك الذكرى السبعين لانضمام ليبيا إلى عضوية الأمم المتحدة، وأكد أن ذلك كان تتويجاً لنضال الشعب الليبي، حين ارتفعت أصوات رجاله من بين جــدران هذه القاعة، مطالبة بالحرية والاستقلال بعد عقــــود من الاستعمار. واستجابت المنظمة لهذا النداء العـادل، وأصدرت القرار التاريخي الذي أفضى إلى استقلال ليبيا عام 1951، تأكيداً لحق الشعوب في تقرير مصيرها.
وأردف المنفي أقف أمامكم ممثلا لإرادة شعب لا يزال متمسكا بالأمل، مؤمنا بقدرته على صياغة مستقبل مستقر ومزدهر. ليبيا ليست ساحة نزاعات، وليست ساحة لتصفية الحسابــات أو تصدير الأزمات، بل وطن يتمتع بثروات طبيعية، وعمق اجتماعــي متماسك، وطاقات شبابية هائلة تُشكّل العمــود الفقري لبناء الدولة الحديثة.
وقال المنفي منذ ولادتها، ارتبطت ليبيا بالأمم المتحدة بعلاقة تاريخية قامت على الشراكة والاحترام المتبادل واليوم، في لحظة مفصلية جديدة، نتطلع إلى دور فاعل ومتكامل من المنظمة في دعمنا للعبور من الأزمة نحو مسار مستدام من الاستقرار والديمقراطية.
وزاد المنفي أنه رغم التحديات ومخاطرها التي تحيط ببلادنا فإن شعبنا على يقين راسخ هو أيضا بأنّ ذاكرته الوطنية وروابطه الاجتماعية المتنوعة وتاريخه العريق عوامل صمود وقدرة على تجاوز الأزمات لكــن دعوني أكن صريحا، لقـــد استُهلكت في ليبيا العديد من النماذج والآليات التقليديـــة، التي لم تواكب تعقيد المشهــــــد السياسي والاجتماعي، وأثرت سلباً على ثقـــة الليبيين في المسارات المقترحة، وهو ما يحمّل الجميع مسؤولية مشتركة لمراجعة الأساليب السابقة، وتجنب الحلـــــول المؤقتة أو التفاهمات الضيقة التي لم تؤدّ سوى إلى إطالة أمد الانقسام.
وأضاف المنفي نحن نؤمـــن إيمانا قاطعـــا أن أي حل لا يُعيد ملكية المسار السياسي إلى الشعب الليبي، ولا ينبع من إرادتـــه الحرة، هو حل مُعرّض للتكرار العقيم والتجارب الفاشلة.
وتابع المنفي انطلاقاً من مسؤوليتنــــا السياسية، ورغم التحديات، استطعنا الحفــــاظ على أعلى درجات الاستقرار، وتفادي الانزلاق نحو العنف، والتأكيد على أن دمــــاء الليبيين خط أحمر، وأن وحدة التراب الليبي وسيادته ونسيجه الاجتماعي ليست محل مساومة.
وأردف لقد التزمنا بتطبيــــق اتفاق وقف إطــلاق النار الموقع في أكتوبر 2020، وأنشأنا لجنة الترتيبات الأمنية في العاصمة طرابلس، تحت إشرافي المباشر، مما أسهم في تعزيــــز الاستقرار الأمني، وجعل المرحلة الراهنة من أكثر الفترات هدوءًا منذ سنوات.
وشدد المنفي على أن الاقتصاد الليبـــي، رغم ما يواجهه من تحديات، يمتلك من المقومات ما يُمكنه من لعب دور محوري في نهضة البلاد حيث شكل غيــاب ميزانية موحدة، والانقسام المؤسساتي، عوائــق حقيقية أمام التنمية، مؤمدا دعم المسار الاقتصادي عبر اللجنة المالية العليا، بهدف توحيـــد الإنفاق العام، وتعزيز مبادئ الشفافية والمساءلة، وتكريس عدالة توزيع الثروة.
ولفت المنفي إلى أن الهجرة غير الشرعية ليست مجرد قضية أمنية، بل هي تحد إنساني ذو جذور اقتصادية عميقة، وناشد المجتمع الدولي باتخاذ نهج تنموي شامل، يرتكـــز على دعم البنية التحتية، وخلق فرص العمـــل في دول المصدر، بالشراكة مع الاتحاد الإفريقي، بدلاً من المقاربات الأمنية الضيقــة التي أثبتت فشلها.
وأضاف المنفي “عملنا في هذا الإطـــار على دعــــم مشاريع الربط الاقتصادي بين شمال إفريقيا وعمقها الجنوبي، سعياً لخلق بيئة تنمويـــة تُغني الشباب عن الهجرة، وتعيد التـــوازن الديمغرافي والاقتصادي في القارة الإفريقية”.
وتابع المنفي “إن موقفنا الثابت من القضيـــة الفلسطينية ينبع من مبادئنـــــا الإنسانية، وعمقنا العربي والإسلامي”.
وأدان المنفي “بأشد العبارات مواقف بعض الدول التي لاتزال تختبئ خلف حياد غيــــر أخلاقي تجاه ما يتعرض له الشعب الفلسطيني، لاسيما في قطاع غزة، من جرائم إبادة وانتهاك صارخ للقانون الدولي”.
وقال المنفي “لقد مرّت ثمانية عقود على تأسيس الأمم المتحدة، ولا يزال الشعب الفلسطيني يــرزح تحت الاحتلال، ونحن نطالب بتحرك دولـــــي مسؤول، يُنهي الاحتلال، ويضمن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني”.
وأضاف المنفي “رغم كل ما مرت به ليبيـــا من صراعــــات وانقسامات، فإن الشعب الليبي لا يزال متمسكاً بخياره الديمقراطي، مؤمناً أن دولة القانون والمؤسسات ليست حلماً، بل حق مشروع”.
وشدد المنفي على أنه آن الأوان بأن ينظر العالم إلى ليبيا كقصة صمود وإرادة، وطن يمتلك كل مقومات النجاح، تاريخاً مشرفاً، مجتمعاً متماسكاً، موارد واعدة، وشعباً حراً طامحاً للسلام والديمقراطية والازدهار.
وتابع المنفي “فكما أن الديمقراطية خيار لنا فالسلام والمصالحة قدر محتوم في وجداننا وهذا ما تأكده تجاربنا التاريخية، أن قدرة شعبنا على الصفح والتسامح والإنصاف مثبتة تاريخياً ففرص تجاوز الماضي وطي صفحاته فرص واسعة في ليبيا والمصالحة الوطنية قبل إن تكون ضرورة لبناء الدولة هي أرث وطني نعتز به”.
وختم بالقول “إننا نرى ليبيا المستقبل دولة مستقرة، ذات سيادة، مُوحدة المؤسسات، قوية بشعبها، متصالحة مع ذاتها، منفتحة على العالم، وشريكاً فاعلاً في محيطها الإقليمي والدولي”