عفاف عبدالمحسن
الثقافات الوافدة قد تخلخل الروابط والقيم عند غير المحصنين الواعين بخصوصية ثقافة تجمع المجتمع وتميزه عن غيره بما يتناسب وكينونته عقديا ( دينا ولغة ) أولا ثم هوية لهجوية وأدبية وفنية .. ومن هنا ليس من باب التنظير أقولها وأكتبها وأحرض عليها بل لأننا فعلا من نأتي فعل الكتابة ولا نتقن غيره في حياتنا إيصالنا لأفكارنا للآخرين متمنين أن يتفهموا غاياتنا النبيلة ..
نرهق نفسيا ونحن نسجل الملحوظة تلو الأخرى شاعرين اقتراب أن تكون مجتمعاتنا العربية عامة وبيئتنا الخاصة الليبية مسوخا مشوهة عن مجتمعات أخرى لا تعنينا لا تقترب ولا تبتعد فالأصل العقيدة من أين تنبع قيمنا وإن كان لجذورنا التاريخية المتوارثة أصل في الحكاية إلا أن بذرة الحكي تأتي من كوننا مسلمين أولا لنا تعاليمنا وقيمنا وأخلاقياتنا جوهريا ولنا شكل لباسنا ثم ثقافة التمازج في المجتمع عبر تداول المهرجانات والمؤتمرات والملتقيات التي يجب أن تتخذ نمطا تنظيميا لنا به صلة وعلاقة شكلا ومضمونا كي يتناسب معنا فلا يعزف العقلاء المتأنين المتوازنين عنها ولا يرفضها المتطرفون وقد أصبحوا في مجتمعنا الليبي كثر ليس لأنهم كذلك بل بسبب الانسياق وما أكثر ملاحظاتنا على صفحات التواصل لأولئك الذين يكتبون ( فعلا _ صدقت _ تم ) هؤلاء القطيع الجمعي التفكير أكثر تخريبا لرؤية متطورة نريدها لبلادنا وشبابنا وشباتنا فيجرجروننا للخلف بينما في حياة بعضهم يمارسون عكس ما يقولون ويكتبون ..
نحن بحاجة للوسطية بمعنى التغلغل في العصرنة واتخاذ المسافة الآمنة منها ومحتواها غير المناسب لميراثنا الثقافي الإسلامي والعربي والليبي لنتمكن من ربط الأجيال بشكل آمن أيضا ومراعاة المعايير الثقافية التي عبرها يكتسب الفرد القدرة على التعايش مع مختلف الثقافات دون أن يكون مسخا لا هو بالقادر على مجاراة التطور كما يجب ولا هو القادر على مجاراة مجتمعه بين المقبول فيه وغير المقبول ..
هكذا سيختفي الشعور بالأمان والانتماء الذي تخلقه الثقافة فعلا حين يتخذ منها الإنسان مرفأ وواجهة وكينونة ومعنى يقابل به الآخر مؤكدا أنا هنا أستوعبك وألتقي معك في نقاط ضرورية للاستمرارية الحياتية السلسة ولكنني على مسافة واحدة أو اثنتين من منهجك الظاهري .. لي شكلي الذي ربما تأخذه عني فيكون بالنسبة لك أكثر ركزا .. فسمّتُنا العربي الليبي ليس معيبا ولا متخلفا عن الركب وديننا بماهيته وقواعده وقيمه ليس طوباويا وما كان بل نافع لكل زمان ومكان .. فنكون مع الآخر جمعا تكلل تحت مظلة الثقافة والعلم والتنوير والتقدم ولكن بسماتنا ولوننا وحضاراتنا الكانت والآنية ..
هذا جعلني أتذكر تعريفا فرنسيا للثقافة ( أنها تعني الزراعة ) فتصورا التثقيف زراعة الأرض وإنمائها وازدهارها مع الوقت هو ميل لإنماء المجتمع وازدهاره بكافة المعارف مع ترسيخ القيم النبيلة .. خلاصة قولي ليتنا حينما نقيم عملا كبيرا مهما تصل عبره رسالة مهمة ( نحن لسنا أنتم لنا مضموننا الحضاري وموروثنا الثقافي ونظرتنا للتقدم لا تعني الانسياق وراء الانحلال كما نعرفه عبر ما ستعيشون بيننا ومعنا وترونه فينا ) .