غاب زعماء الاتحاد الأوروبي عن حفل تنصيب دونالد ترامب للمرة الثانية، باستثناء رئيس وزراء إيطاليا جورجيا ميلوني الزعيمة الوحيدة لدولة عضو في الاتحاد الأوروبي.
هذه المشاركة تعكس الاهتمام الإيطالي بالعلاقات مع الولايات المتحدة، وهو ما دفع البعض لترجيح مغامرة ميلوني بالاستجابة لدعوات ترامب، والمضي قدما بمفردها من أجل الاستفادة من نظام تجاري متميز مع الولايات المتحدة، فيما يرى البعض أنها قد تكون حلقة وصل بين بروكسل وواشنطن في إطار الاتحاد الأوروبي.
يأتي ذلك استنادًا على أن العلاقة بين ميلوني والرئيس الأمريكي السابق جو بايدن وُصفت بأنها “جيدة جدًا”، وما يزيد ذلك الآن أن أظهر حزب الرابطة اليميني المتطرف بزعامة ماتيو سالفيني أعرب عن تقديره للتصميم الترامبي خلال الرئاسة الأولى للجمهوريين.
قلق الاتحاد الأوروبي
وعلى الرغم من ذلك غيرت نتيجة الانتخابات الأمريكية الوضع، حيث تشعر إيطاليا كغيرها من الدول الأعضاء الأخرى في الاتحاد الأوروبي، بالقلق إزاء فرض رسوم جمركية قد تضر بالصادرات إلى الولايات المتحدة.
وترى إيطاليا أن الحفاظ على فائض تجاري يشكل أولوية سياسية واقتصادية أولا، وثانياً، تريد ميلوني الظهور بمظهر القادر على إقامة حوار متميز مع ترامب، وهو ما قد يشكل ميزة في أوروبا وسط ضعف مستشارية أولاف شولتز في ألمانيا ورئاسة إيمانويل ماكرون في فرنسا.
ويؤكد ذلك الإفراج عن الصحفية الإيطالية سيسيليا سالا التي اعتقلت في إيران بموجب مذكرة أصدرتها الولايات المتحدة، حيث كانت زيارة ميلوني لمنتجع ترامب مار إيه لاغو عاملا مساهما في تأمين فهم الإدارة القادمة للقضية، وإظهار قدرتها على إنشاء قناة مباشرة مع ترامب.
استخدام إيطاليا ستارلينك
من ناحية أخرى، دار نقاش في إيطاليا حول عقد خدمة عامة محتمل مع ستارلينك، شبكة الأقمار الصناعية التي أنشأها الملياردير المؤيد لترامب إيلون ماسك، ويجري التخطيط لاستخدام ستارلينك للتعويض عن نقاط الضعف في عنصر الاتصال في خطتها للبنية الأساسية، ليشمل الاتصال المستخدمين العموميين في حالات الطوارئ، مثل القوات المسلحة والشبكة الدبلوماسية، مع إجراء دراسات الجدوى.
معارضة التعاون مع ستارلينك
جاء ذلك على الرغم من احتجاج الاتحاد الأوروبي الذي رأى مواقف ماسك الأخيرة تجاه مختلف القادة الأوروبيين شكلاً من أشكال التدخل، مرجعين احتجاجهم إلى قدرة قطب الأعمال الأمريكي على تضخيم النفوذ من خلال منصته الاجتماعية إكس.
معارضون في البرلمان الإيطالي اتجهوا لنفس المنحى إذ اعتبروا أن المبادرة، حتى لو كانت سليمة من الناحية الفنية والتشغيلية، يمكن أن تقدم شكلاً من أشكال السيطرة من قبل شركة ماسك، وبالتالي الإدارة الأمريكية، على البيانات التي تعتبر حساسة وذات سيادة، هذا من جانب، ومن ناحية أخرى تأتي قضية السيادة التكنولوجية في وقت تشارك فيه الصناعة الوطنية الإيطالية، بقيادة مجموعة ليوناردو، في برامج الاتصالات عبر الأقمار الصناعية الحكومية للاتحاد الأوروبي (GOVSATCOM) وكوكبة الأقمار الصناعية IRIS2 .
وعلى الرغم من هذه المعارضات إلا أن ميلوني أقدمت على توثيق علاقتها مع ماسك عندما دعته إلى Atreju، وهو حدث شبابي لحزبها “إخوان إيطاليا”، في أواخر عام 2023، لكنها في الوقت ذاته حرصت على تسييس عقد ستارلينك المحتمل.
موقف متناقض
من هذا المنطلق قد تصبح هذه القضية نقطة تحول في العلاقات بين حكومة ميلوني وإدارة ترامب الثانية.
وتواجه إيطاليا موقفا متناقضا من حيث حل قضية سيسيليا سالا الذي يقر بإنشاء قناة دبلوماسية جيدة مع ترامب وفريقه، ومن ناحية أخرى يثير فرض قيود على عقد ستارلينك تساؤلات حول السيادة التكنولوجية.
يرى البعض أنه من المفيد لرئيسة الوزراء أن تمتلك قدرتها الخاصة على الحوار مع واشنطن، ولكن فقط إذا تم تطويرها أيضًا في إطار الوساطة الأوروبية الشاملة، وخاصة من خلال الحفاظ على العلاقات الوثيقة مع فرنسا وألمانيا، إن القيام بذلك بمفردها لن يؤدي فقط إلى عزل روما في الأمد المتوسط ولكن أيضًا إلى إضعاف أوروبا.