دكتور . أ / محمد محجوب
قبل أن ننطلق لمعرفة كنه مافي الكتاب سنذكر الحدث الأبرز الذي جعله يتداول بين الأوساط الثقافية والعلمية هذه الفترة مع بداية افتتاح معرض القاهرة الدولي للكتاب المفتتح يوم 23 / يناير / 2025 م .. فالكتاب لمؤلفه وجامع مادته العلمية والباحث التحليلي في ماهية الذكاء الاصطناعي كمحاكاة بينية لقدرات البشر .. والصادر عن مكتبة الكون التي شاركت بمنشوراتها في المعرض ومن بينها الكتاب التحليلي للدكتور / محمد حسين سليمان محجوب _ أستاذ علوم الفلسفة بجامعة بنغازي _ والجامعات الليبية .. يقول في مقدمة كتابه :
يدخل هذا الكتاب كما وضّح العنوان ضمن مجال العلم البيني، وهو علم أدعو إليه في عدد من مؤلفاتي مثل: كتابي ” فلسفة العلم البيني”، و” العلم البيني نموذج المياه بين التلوث والنجاسة دراسة بينية”، و”مفهوم الرضا بين الله والإنسان” ،وهذا الكتاب ” الذكاء الاصطناعي علم بيني يُحاكي قدرات البشر”، وقد دعوت إليه في عدة محافل منها: قسم الفلسفة بجامعة بنغازي – الذي أنا عضو هيأة تدريس بهِ. وأعتبر أن هذا العلم هو المهيأ الآن لدراسة جلّ القضايا العلمية الحديثة والمتطورة بشكل سريع فدعوتي لتبنيه ما زالت قائمة. وهذا كتاب يتحدث عن علم الذكاء الاصطناعي، الذي يندرج تحت الفلسفة، ضمن نطاق فلسفة العلوم. وتشير المراجع التاريخية إلى أن ” (جون مكارثي 192-2011 (John McCarthy قام بصك هذا المصطلح في عام 1956م، ووفقاَ له فإن الذكاء الاصطناعي هو علم هندسة إنشاء ألآت ذكية، وبصورة خاصة الكمبيوتر. فهو علم إنشاء أجهزة كمبيوتر وبرامج قادرة على التفكير بالطريقة نفسها التي يعمل بها الدماغ البشري، تتعلم مثلما نتعلم، وتقرر كما نقرر، وتتصرف كما نتصرف. وعُرِفَ هذا العلم بأنه مجموعة من التقنيات التي تمكن آلة أو نظاماَ من التعلم، والفهم، والتصرف، والاستشعار. ومن هذا التصور- إضافة إلى تصورات أخرى – وفي السياق ذاته جاء عنوان هذا الكتاب. ويعرض عديد الأسئلة بهدف متعين وهو: تحديد الصورة المنطقية لهذا العلم في مستوى العلم البيني Interdisciplinary ومن بين تلك الأسئلة:
1- ما طبيعة المحيطين لنوعي الذكاء؟
2- ما علاقة المجال الفلسفي بالذكاء الاصطناعي؟
3- ما طبيعة الذكاء الاصطناعي؟ وهل كل قطعة برمجية تعمل من خلال خوارزمية معينة وتقوم بمهام محددة تعتبر ذكاءَ اصطناعياَ؟
4- ما العلاقة بين الذكاء البشري والذكاء الاصطناعي؟
5- هل هناك شبه في محيط الذكاء البشري والاصطناعي؟
6- هل يستغرق هذا العلم طبيعة الفلسفة أم جزء منها؟
كما أن لهذا الكتاب مجموعة من الأهداف من أبرزها:
1- التعريف بهذا العلم ورسم صورة له في المجال الفلسفي.
2- تبيان أثره على عديد الجوانب في حياة الإنسان.
3- توضيح طبيعة البحث في هذا العلم.
4- تبيان إسهامه في محاولة بناء فلسفة جديدة.
5- محاولة إدماج بحاث الفلسفة في وطننا في القضايا العلمية ذات الاهتمام العالمي. ودعوتهم للبحث فيها.
عند الحديث عن هذا العلم تمحي فكرة الفصل بين الجانب النظري والعملي في البحث العلمي والفلسفي، وتُمَحَي فكرة الصورية، والمادية، والاستقراء، والاستنباط فالكل يتداخل من أجل إنجار الهدف المراد، ويصبح النظر والعمل حقيقة واقعية يسعى بها الإنسان لاكتشاف المجهول، ولم يعد للقسمة التي سادت الفكر البشري منذ العصر اليوناني قيمة عملية في حركة الفصل بين الفكر Logos والتطبيق، أو العمل Praxis. حاضراَ ومستقبلاَ في هذا العلم تتظافر الرياضيات التي استقلت عن الفلسفة منذ حوالي 300 ق.م والميكانيكا التي استقلت مع (ارشميدس منذ 250 ق.م Archimedes)، والفيزياء التي استقلت مع (جاليليو1564-1642Galileo Galilei )، والكيمياء التي استقلت مع (لا فوازيه في القرن الثامن عشر1743-1794Antoin Laurent de Lavoisier)، وعلم الحياة في القرن التاسع عشر، في هذا العلم البيني Interdisciplinary توجد جلّ العلوم، وتعبر عن ذاتها من أجل وضع صورة منطقية معرفية لعلم يمتلك القدرة على استغراقها جميعا في بوثقة واحدة ومميزة، وكما يذهب عديد البحاث إلى القول بأن الفلسفة وَلَّدت العلم، فإن العلم بدوره يُوَلد الفلسفة إن أراد أن يعرف حقيقته وقيمته. وكما يقول (جون ماكهيل 1992-2008Gohn Mchale) ” التكنولوجيا كما ابدعها اٌلإنسان وجَدَّدَها، ثم في نهاية المطاف وَجّهَهَا عضوية تماما مثل صدفة القوقع….، وبيت العنكبوت إنها في نواحي عديدة أكثر انتشاراَ كمكون فعال من النظام الإيكولوجي من أي صورة من صور الحياة العضوية باستثناء الإنسان” وكما تقول الأستاذة الدكتورة أميره حلمي مطر ” إن ” العلم قد يخدم غايات فلسفية، أو أخلاقية، أو دينية، وبذلك يستخدم العلم في كثير من الأحيان في صراعات أيديولوجية وفلسفية”، المهم وفي كل الأحوال لابد أن يكون الامر في صالح الإنسان والإنسانية. وأتصور أن هذا العلم – الذكاء الاصطناعي – سَيقدم اسئلة جوهرية تخص الإنسان منها على سبيل المثال: ما قيمة الحياة الإنسانية؟ وما تعريفها؟ إذا توصل هذا العلم لصنع ريبوتات تقوم بما يفعل البشر وتقدم الخدمات بصورة أفضل. ويُوجد مناظرات عن عديد الأفعال مثل الإجهاض، والقتل الرحيم، والتكاثر الاصطناعي، وهندسة الجينات، وقياس نوعية الحياة. أسئلة تجعل الإنسان شيئاَ مادياَ لا يختلف عن أي عنصر كيميائي. صاحبت هذه التساؤلات جلّ الثورات العلمية في البيولوجية، والعلم الرقمي، وفي علوم الفضاء، ولا شك كما يقول ستيوارت رسل: المهتم بعلم الذكاء الاصطناعي” إن “جعل أي شيء أكثر ذكاءَ من الإنسان يُمكن أن يكون فكرة سيئة، لأن تحكم الإنسان في بيئته وفي الأنواع الأخرى يرجع إلى ذكائنا، لذا فإن فكرة وجود شيء آخر أكثر ذكاء سواء أكان إنساناَ أليَّاَ، أو كائناَ فضائياَ، يثير في نفس الإنسان القلق !” ولكن بحكم التطور وحكم الاختلاف بين المجتمعات البشريةـ هل هذا القلق يشمل كل الإنسانية؟ أم أنه يقسم الإنسان إلى أناس متعددين.
وترى بعض التصورات أن الحدث الهائل حقاَ في زماننا ليس هو تلاقي التكنولوجيات وتقاربها، وإنما هو تلاقينا نحن مع تكنولوجياتنا يُوسعُ الكمبيوتر وغيره من الأجهزة عقولَنا، وتُوسِعُ من أجسادنا سلسلة طويلة من الابتكارات الثورية من الفاكسينات إلى الاعضاء الاصطناعية، وهذه حقا أجزاء من كياننا. كل هذه التطورات العلمية يمثل فيها علم الذكاء الاصطناعي وفلسفته دوراَ مهماَ. يقول والترتروت أندرسون ” إن الناس بدأوا يلاحظون التقارب البَيِّوني – تقارب العلوم البيولوجية مع كل التكنولوجيات الإلكترونية، لأنه يقودنا إلى ما اطلق عليه جون ماكهيل الخصيصة التطورية العضوية للنمو التكنولوجي – تَلازُمها مع عقولنا وأجسادنا مع تطور جنسنا البشري”، وعلى الرغم من ذكر عديد الفوائد لهذا العلم فإن هناك من انتقده بشكل صريح، وإن طوي أو أختفي ذلك النقد. في عام 1847م هاجم (ريتشارد ثورنتون1866-1929Richard Thornton Wilson gr) الآلات الحاسبة الميكانيكية قائلاَ: إن العقل يتجاوز حدوده، ويتخلى عن ضرورة وجوده بابتكار آلات تقوم بعمليات التفكير المنوطة به، وعن منهج هذا الكتاب، أو منهج العلم البيني فإن المنطق الضبابي يُعد هو منهج هذا العلم – حسب تصوري-، وذلك مبني على طبيعة ذلك المنهج، حيث حاول منطق الضبابية بوصفه منهجَ بحثِ في العلوم الإنسانية والاجتماعية التقرُب إلى حياة تلك الظواهر بقدرِ يسمح بالدمج بين التقويم الكمي والكيفي محاولاَ تجنُبَ عيوب كلا المنهجين، والمحافظة على مزاياهما، ويتجلى ذلك التقرُب في محاكاته الضبابية بتعيُناتها المختلفة أي إيجاد أو بناء نماذج حاسوبية عبر برامج الذكاء الصُنعي مُستمَدَّة من تلك الظواهر، وقادرة على محاكاة سلوكها بقدر كبير، الأمر الذي يساعد في فهمها واتخاذ التدابير اللازمة للتعامل معها.
أقول هنا إن مهمتي في هذا الكتاب هي أن أضع أمامك علماَ قائماَ بل يتطور في كل جزء من الثانية، وإنه لا سبيل لتجاوز هذا العلم، وعدم ادخاله في مجال البحث الفلسفي، فهو علم يُحاكي عقولنا، وشعورنا، ويتعمق في وعينا وعلينا دراسته ومعرفته وفهمه من أجل أجيالنا، ووجودنا الوجودي. وقد قسمت الكتاب إلى ستة فصول، إضافة إلى مقدمة، وخاتمة، وقائمة بالمراجع العربية، والمترجمة للغة العربية، وقائمة بالمراجع الأجنبية. وملحق لجلّ المفاهيم الأجنبية، وجاءت فصول الكتاب وفق الآتي :
# الفصل الأول (العلاقة بين المحيطين ) وعناصرها :
_ تصورات فلسيفة عن الإنسان / الحمض النووي DNA/ الكبد الإنسانية وطبيعتها / الخلية الحقيقية الإنسانية / الجين مقابل الخوارزمية .
# الفصل الثاني (الفلسفة والذكاء الاصطناعي) ويتضمن العناصرالآتية :
_ نظرية المحاكاة وعلاقتها بالذكاء الاصطناعي / المنطق ودوره في علم الحاسوب / المنطق والذكاء الاصطناعي/ الذكاء الاصطناعي والمنطق الضبابي/ الذكاء الاصطناعي والمنطق الإسنادي/ ذكاء اصطناعي يحاكي البشر
# الفصل الثالث (مفهوم الذكاء ) ويتضمن العناصرالآتية:
_ تعريفات الذكاء الفطري لغة واصطلاحا / منهجية البحث في الذكاء / دراسة الذكاء من وجهات عدة /تعريفات الذكاء في تباينها / أنواع الذكاء / قياس الذكاء / نظرية تفاعل الوراثة والبيئة
# الفصل الرابع (الذكاء الاصنطاعي ) ويتضمن العناصرالآتية:
_ شروط الذكاء الاصطناعي / ماهية الذكاء الاصطناعي / تعريف الذكاء الاصطناعي / لغات الحاسوب / الاختبار والقياس / أنواع الذكاء الاصطناعي/ وظائف الذكاء الاصطناعي/ الذاكرة والذكاء الاصطناعي .
# الفصل الخامس( الذكاء الاصطناعي والوراثة) ويتضمن العناصر الآتية :
_ الخوارزميات ودورها في علم الذكاء الاصطناعي / المنهج الذي يتسق وطبيعة الذكاء الاصطناعي / التهيئة العلمية لأسس الذكاء الاصطناعي / الذكاء الاصطناعي وأثره في الأعمال / مخاوف من الذكاء الاصطناعي
# الفصل السادس (أخلاق علم الذكاء الاصطناعي) ويتضمن العناصر الآتية:
_ أخلاق مغايرة لهذا العلم / أخلاق بينية تعبر عن طبيعة علم الذكاء الاصطناعي / نظرية في أخلاق الذكاء الاصطناعي / النموذج السعودي لأخلاقيات الذكاء الاصطناعي / ملحق لبعض المصلحات الأجنبية .
” وأختم أن مقدمة الكتاب التعريفية لا تغني النهم لنهل المعرفة عن اقتناء الكتاب وتمحيص كل كلمة فيه “