د. علي عبيد
يطلق مصطلح الأواني المستطرقة على خزان للسوائل، ذي قاعدة عريضة، تخرج من سطحه العلوي مجموعة من الأنابيب مختلفة الاحجام، بعضها ضيق، وبعضها متسع، وبعضها متعرج، وبعضها غير متناسق الحجم. عندما يُملأ الخزان بأي سائل، فإن قوانين الفيزياء تجعل مستوى السائل واحدًا في كل الأنابيب، بصرف النظر عن حجمها أو اعتدالها.
تستعمل هذه الظاهرة الفيزيائية في التدليل على أن الكيانات المرتبطة عضويًا لابد أن تؤثر على بعضها البعض، وعندما نتعامل مع أي منها لابد أن نأخذ هذه العلاقة في الاعتبار.
إذا أسقطنا ظاهرة الأواني المستطرقة على مختلف قطاعات الدولة الليبية تصبح لدينا صورة في منتهى الوضوح، فحواها أن ما نلاحظه من وضع (سلبي أو إيجابي) على أي قطاع، لابد أن يعبر عن كافة القطاعات الأخرى. بالمعنى العملي للكلمة، لا يمكن أن يكون قطاع التعليم مُتهتك، بينما قطاع الصحة جيد، أو قطاع المواصلات ممتاز، أو الإدارة العامة راقية، أو البنية التحتية متطورة.
قاعدة الأواني المستطرقة تجعل ما نراه عن قطاع واحد يمثل مؤشر أمين، وكاف عن كافة القطاعات الأخرى في الدولة، ومن هذا المؤشر الفعال نستطيع أن نُكَوِّن فكرة شاملة، ومعبرة عن الحالة الحضارية للدولة عامة، فنقول هذه دولة متخلفة، وتلك دولة راقية.
علاج الحالة غير السوية في أي قطاع يستلزم شمول القطاعات الأخرى في وصفة العلاج.. لنتصور لوهلة أننا قررنا رفع كفاءة العملية التعليمية بإعادة توزيع المعلمين حسب الحاجة في كل مدرسة، بصرف النظر عن أماكن سكنهم، ترى أين هي المواصلات العامة الفعالة التي ستساعد معلم يقيم بعيدًا عن مدرسته، ليصلها في وقت معقول، وأين هي الاتصالات الفعالة التي تجعل المعلم الذي تمنعه بعض الظروف من الحضور، يقرر تحويل فصله إلى فصل افتراضي.
محمود جبريل رحمه الله كان مدركًا لنظرية الأواني المستطرقة عندما أعتقد أن النظام السابق يبحث حقا عن علاج لحالة التردي الخانقة في الخدمات، والبنية التحتية للدولة.
في مخططه الذي قدمه لبرنامج ليبيا الغد، كان يرى أن الإصلاح يتم بالتوازي في كل القطاعات، وأنه يتطلب عددا محددا من الكفاءات، أسماه “الحجم الحرج”، ويجب أن تعد هذه الكفاءات ببرامج علمية شفافة، ومحكمة، وهو ما حاول القيام به في مجلس التطوير الاقتصادي، إلى أن اصطدم بديماغوجية اللجان الثورية، ونرجسية القائد الملهم، فترك كل شيء، حتى جاءت العاصفة، وعصفت بالديماغوجية والنرجسية وليبيا الغد.
اليوم لا يخفى على أحد أن كافة الحكومات المتعاقبة في عهد فبراير لا تدرك قاعدة الأواني المستطرقة، أو أنها لا تهتم بها، لهذا لا يشاهد المرء أي أثر لمحاولات الإصلاح، فالتعليم مازال منهارا، والصحة لازالت متردية، والبنية التحتية لا وجود لها، وفوق ذلك يعيش الانسان الليبي حالة من البؤس، والقنوط المستديم.