كشف تقرير أعدته مجموعة من الباحثين، من خلال شهادات تم جمعها لمهاجرين، عن التجارة التي تتم على الحدود التونسية الليبية، حيث تقوم سلطات البلدين بتبادل مجموعات من المهاجرين من بينهم رجال ونساء وأطفال، مقابل المال. وتم تقديم الدراسة إلى البرلمان الأوروبي في الوقت الذي يعمل فيه الاتحاد الأوروبي مع تونس في “حربها” ضد الهجرة غير الشرعية.
شهادات الضحايا
وبحسب موقع “مهاجر نيوز” تكشف جميع الشهادات عن حالات “بيع بشر على الحدود التونسية الليبية” النقطة الحدودية التابعة لوزارة الداخلية بحكومة الوحدة الوطنية، فضلا عن وجود ترابط بين “البنية التحتية وراء عمليات الطرد والاختطاف في السجون الليبية”.
ومنذ خطاب الرئيس التونسي قيس سعيد في فبراير 2023، والذي اتهم فيه المهاجرين السود بأنهم مصدر العنف والجرائم، جمع مهاجرنيوز بانتظام شهادات تصف عمليات تُرك المهاجرون خلالها في الصحراء من قبل السلطات. روى موسى “توقفت السيارة عند جبل من الرمال. وعلى الجانب الآخر تقع ليبيا. صعد التونسيون إلى الجبل للإعلان عن وجودهم. وبعد خمس دقائق سمعنا أبواقًا قادمة من الجانب الآخر. وجه رجال الشرطة بنادقهم الكلاشينكوف نحونا وقالوا (هيا، هيا) وهم يشيرون إلى ليبيا. كنا خائفين جدا”.
وبعد ذلك، أجبر العناصر الليبيون المسلحون والملثمون، المهاجرين على ركوب شاحناتهم الصغيرة. وأضاف إبراهيما، وهو مهاجر آخر تعرض للطرد، “كان في كل سيارة جنديان، أحدهما السائق والآخر الحارس”. وقد أشارت العديد من الشهادات التي جمعها فريق مهاجرنيوز في عام 2023 إلى عمليات تبادل الأموال أثناء نقل المهاجرين من تونس إلى ليبيا.
سعر المهاجر
وبحسب التقرير الذي أعده باحثو “RRX” ، فإن سعر هذه المعاملات يتراوح بين 40 و300 دينار (بين 12 و90 يورو) للشخص الواحد، ويتم تبادل المهاجرين أيضا مقابل “الحشيش والوقود”.
وقال الباحثون “لم يشاهد جميع الشهود أموالا أو وسائل دفع أخرى، وهذا ما يفسره السياق العنيف، وحقيقة أن المعاملات يمكن أن تتم في الليل”. وقال شاهد عيان في الدراسة “لقد باعونا كما لو كنا بضائع. وطلب منا الجنود التونسيون العبور وتسليم أنفسنا للشاحنات الليبية”.
السجناء الذين تم بيعهم هم رجال ونساء (بعضهم كن حوامل)، وأطفال وقاصرون غير مصحوبين بذويهم. وبحسب أحد المهاجرين الذين استشهد بهم الباحثون فإن “النساء كانت لهن قيمة سوقية أعلى”.
تعذيب
وبمجرد وصولهم إلى الأراضي الليبية، يتم احتجاز المهاجرين في سجون بالصحراء لعدة أيام. ويتم بعد ذلك إرسالهم إلى مراكز الاحتجاز الرسمية التي يديرها جهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية التابع رسميا لوزارة الداخلية، وبحسب موسى، فقد تم إيداعه في سجن العسة، في شمال ليبيا، على بعد حوالي 20 كيلومترا من الحدود التونسية.
وتشكل عمليات “بيع” المهاجرين التي تتم على الحدود، المرحلة الأولى لمعاناة المهاجرين في ليبيا، حيث يتعرضون لاحقاً لعمليات ابتزاز يطلب خلالها السجانون فدية من عائلات المهاجرين، لقاء إطلاق سراحهم، ويتخلل ذلك تعذيب المهاجرين وتصويرهم وإرسال المقاطع المصورة لعائلاتهم.
سجن العسة
وسبق أن تم ذكر سجن العسة التابع لوزارة الداخلية بحكومة الوحدة الوطنية في تقرير مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة لشهر يونيو 2024، باعتباره أحد بؤر انتهاكات الحقوق. ويُشار إلى سجن العسة عادة باسم “سجن الصحراء” بسبب موقعه، وهو “النقطة الأولى في شبكة السجون في ليبيا، حيث يتم نقل السجناء، وإعادة بيعهم”، بحسب التقرير.
ويقول تقرير “RRX”، إن “الأشخاص الذين يصلون إلى هذه السجون مصابين ومرضى ويعانون من سوء التغذية نتيجة للعنف، ولا يتلقون الرعاية الطبية الكافية. إن العنف والتعذيب يشكلان جزءا من الحياة اليومية للمعتقلين. ويُجبر السجناء على ممارسة العنف ضد سجناء آخرين، وذكر شهود آخرون أن بعض السجناء لقوا حتفهم، وأن هناك مقابر جماعية، حيث يتم دفن الجثث من قبل السجناء أنفسهم”.
ورغم الشهادات والتقارير المتعددة التي تصف الوضع، تظل تونس وليبيا شريكتين للاتحاد الأوروبي في إدارة حدوده الخارجية. وفي يوليو 2023، أبرم الاتحاد الأوروبي “شراكة استراتيجية” مع تونس، تنص على مساعدات بقيمة 105 ملايين يورو لمكافحة الهجرة غير النظامية، ومساعدات مالية مباشرة بقيمة 150 مليون يورو.