شهدت العاصمة طرابلس، مساء الإثنين، واحدة من أكثر لياليها دموية وانفلاتًا منذ سنوات، بعد مقتل قائد جهاز دعم الاستقرار التابع للمجلس الرئاسي، عبد الغني الككلي، داخل مقر اللواء 444 قتال، ما تسبب في اندلاع اشتباكات عنيفة وانهيار مؤقت للسيطرة الأمنية في عدد من أحياء المدينة.
عمليات نهب وسطو
مركز الطوارئ والدعم أعلن انتشال ست جثث من مناطق المواجهات، في حين دعت وزارة الداخلية بحكومة الوحدة المواطنين إلى التزام منازلهم بسبب تفاقم الأوضاع الأمنية، في وقت تحولت فيه مناطق كأبو سليم ومحيط حديقة الحيوان إلى ساحة مفتوحة لعمليات نهب وسطو، وسط غياب أي تدخل فوري من السلطات الأمنية.

وتداولت منصات التواصل الاجتماعي مشاهد توثق حجم الفوضى، تظهر محالًا منهوبة وأحياء مدمرة، فيما تعرضت حديقة الحيوان – أحد رموز المدينة – لاقتحام مسلح، أسفر عن سرقة معدات وتخريب أقفاص الحيوانات، وفق مصادر محلية.
اتهامات دولية
عبد الغني الككلي، الذي يُعد من أبرز قادة التشكيلات المسلحة في طرابلس، كان محل اتهامات دولية بارتكاب انتهاكات جسيمة، إذ وصفه تقرير خبراء مجلس الأمن في ديسمبر 2024 بأنه “عنصر محوري” في تمويل مجموعات مسلحة، كما شملته شكاوى أمام المحكمة الجنائية الدولية تتعلق بجرائم ضد الإنسانية بحق مهاجرين.
شبهات فساد وتمويل جماعات مسلحة
ومن جهته، طالب رئيس الاتحاد الوطني للأحزاب الليبية أسعد زهيو، النائب العام المستشار الصديق الصور بفتح تحقيق شامل وعاجل في ملابسات صرف مبلغ 132 مليون دينار ليبي لصالح “جهاز دعم الاستقرار”، رغم وصف رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة له مؤخرًا بـ”المجموعة غير النظامية”.

زهيو تساءل في تعليق على صفحته الرسمية عن كيفية صرف هذا المبلغ الضخم من المال العام لصالح كيان تفتقر شرعيته لأي اعتراف قانوني رسمي، وفقًا لما صرح به الدبيبة نفسه، مضيفًا أن “هذا الإنفاق يمثل خرقًا واضحًا للضوابط المالية، ويستوجب المحاسبة القضائية، لما يحمله من شبهات فساد وتمويل جماعات مسلحة خارج سلطة الدولة”.
تأسيس جهاز دعم الاستقرار
ويعتبر جهاز دعم الاستقرار، الذي تأسس عام 2021 بقرار من المجلس الرئاسي بقيادة فائز السراج، واحداً من أكثر الأجهزة المثيرة للجدل في ليبيا. وقد كُلّف بمهام أمنية حساسة تتراوح بين مكافحة الهجرة والتهريب إلى حماية مقار الدولة، رغم تبعيته المباشرة للدبيبة وعدم خضوعه لوزارة الداخلية.
وكان الككلي، وهو مدان سابق بجرائم قتل ومخدرات، قد خرج من السجن خلال ثورة فبراير 2011، وتمكن لاحقاً من تأسيس مجموعة مسلحة فرضت سيطرتها على منطقة أبو سليم، ثم نُصّب لاحقاً على رأس جهاز دعم الاستقرار، حيث أسس شبكة نفوذ اقتصادي وأمني واسع، وارتبط بعلاقات قوية مع حكومة الوحدة، قبل أن تتوتر تلك العلاقة في الأشهر الأخيرة.
الخلاف بين الككلي والدبيبة
وأشارت تقارير إلى أن الخلاف بين الككلي والدبيبة تفاقم بعد صراعات على السيطرة العسكرية في بعض المعسكرات، واقتحام قوات الككلي لمقر الشركة العامة للاتصالات، مما زاد حدة المواجهة مع الحكومة، وصولاً إلى حادثة مقتله أمس الإثنين .
ووفق تقارير حقوقية محلية ودولية، فإن الجهاز تورط في حالات اعتقال تعسفي وانتهاكات إنسانية، وكان يُدار خارج الإطار المؤسسي، رغم حصوله على ميزانيات ضخمة من الدولة، في ظل غياب أي رقابة مالية أو إدارية فعلية.
زمن الأجهزة الأمنية الموازية قد انتهى
وأكد رئيس حكومة الوحدة، خلال اجتماع أمني مساء اليوم الثلاثاء، أن لا شرعية لأي كيان مسلح خارج إطار وزارة الدفاع والجيش الليبي، مشددًا على أن زمن الأجهزة الأمنية الموازية قد انتهى، وأن الدولة لن تسمح إلا بوجود مؤسسات نظامية من جيش وشرطة.
وشدد الدبيبية على ضرورة مواجهة كل من يعرقل مسار الدولة أو يمنع الأجهزة الرسمية من أداء مهامها، قائلاً إن الحكومة “ستضرب بيد من حديد”.
جاء ذلك في اجتماع ضم وزير الداخلية المكلف، ووكيل وزارة الدفاع، ومدير إدارة الاستخبارات العسكرية، وآمر اللواء 444، حيث قُدمت إحاطة تفصيلية حول مراحل تنفيذ خطة تأمين العاصمة.

قلق محلي ودولي
ومن جهتها، أعربت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا عن قلقها الشديد حيال التطورات، مطالبة بوقف فوري لإطلاق النار، محذرة من أن الهجمات على المدنيين قد تُصنف جرائم حرب، لا سيما في الأحياء المكتظة سكانيًا.
فيما أعلنت وزارة الدفاع استعادة السيطرة على حي أبو سليم ورفع حالة التأهب، أطلقت وزارة الداخلية خطة أمنية شاملة لملاحقة الخارجين عن القانون، إلا أن ذلك لم يوقف الانتقادات الواسعة للحكومة بسبب تأخرها في احتواء الفوضى.
وفي محاولة لإعادة فرض النظام، أصدر رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة جملة من القرارات شملت حل إدارة العمليات والأمن القضائي، وتشكيل لجنة للتحقيق في أوضاع السجون، إلى جانب نقل تبعية هيئة أمن المرافق والمنشآت إلى وزارة الداخلية.
لكن مراقبين رأوا أن تلك التحركات جاءت بعد فوات الأوان، وسط تآكل واضح لثقة الشارع في قدرة الحكومة على فرض الاستقرار، فيما تبقى طرابلس رهينة لصراعات الجماعات المسلحة في بلد أنهكته سنوات من الانقسام والنزاع المسلح.