الأخبار الشاملة والحقيقة الكاملة​

2025-04-21

6:07 صباحًا

أهم اللأخبار

2025-04-21 6:07 صباحًا

ذاكرة الجسد لأحلام مستغانمي… هذا ليس نقداً

01-18

 أمجاور اغريبل                                                                                  

 إنه انحياز للمرأة ..سافر الوجه واليدين .. أشفق على كل أنثى تمارس الكتابة ، لأن اللغة كائن ذكوري صنعها الرجل خلال تاريخه الطويل ، فيما كانت المرأة منزوية في ركن الحريم تزاول مهنة الحكي . يقول عبد الحميد الكاتب أحد فحول الكتابة العربية ..”أن خير الكلام ما كان لفظة  فحلا ومعناه بكراً..” معلناً بذلك عن قسمة غير عادلة ،يكون فيها للذكر سبق السيادة على اللفظ ، تاركاً للأنثى معنىً حائراً لا وجود له إلا في ظل لفظٍ فحل .وهذه القسمة أدت بدورها الى قسمة أخرى استولى فيها الرجل على الكتابة وأحتكرها لنفسه تاركاً للمرأة مهمة الحكي ، مما أدى الى إحكام سيطرته على اللغة والفكر والثقافة بل وعلى كتابة التاريخ والذاكرة .. في رواية (ذاكرة الجسد ) حاولت أحلام مستغانمي أن تكتب التاريخ وتستنطق الذاكرة ،لكنها في ظل ألفاظ فحله ، وضمائر مذكرة ، ولغة تعتبر التذكير هو الأصل ، لم يكن لديها من خيار سوى أن تتخلى عن أنوثتها وان تتحول الى ذكر لكي تكتب وتمارس لغة الرجل … في لقاء مع الكاتبة عبرت بوضوح عن هذا الاسترجال ومسخ الأنوثة الذي تتعرض له المرأة وهي تتصدى للكتابة ، عندما قالت (( إنها وجدت أن التحدث بلسان الرجل يسهل عليها الكتابة ويساعدها على السرد ويجعلها تقول ما تعجز عن قوله كأنثى )) .

 أبطال روايتها هم من الفحول الذين يصنعون اللغة والتاريخ والذاكرة وتشاركهم البطولة  إن صح التعبير أنثى ، معنى حائراً لا يستقر على ضفاف ، يتحور يتبدل وتتغير دلالته بتغير اللفظ الفحل . فهي ابنة ( سي الطاهر ) أحد أبطال الثورة الجزائرية الذين ماتوا قبل أن يشهدوا الاستقلال ، وهي ملهمة لزياد الشاعر الفلسطيني ، ولخالد الرسام التشكيلي ورفيق والدها في الجهاد ، الذي أحب فيها شبابها في مقابل كهولته وجسمه المشوه ، وهي في النهاية زوجة لأحد الطفيليين الذين ظهروا عقب الثورة فسرقوا مكاسبها دون أن يخسروا قطرة دم واحدة في سبيلها . إن المرأة هي أفضل من يسرد ويروي ويحكي ، وهي تفعل ذلك باقتدار عجيب وبخبرة اكتسبتها من حكايات ألف ليلة وليلة ، حيث كانت تقاوم الموت بالحكي ، والتوحش  بالسرد ،   والرغبة القاتلة بالرواية التي تستولد رواية جديدة كل ليلة وتحمل في رحمها نصاً لا ينتهي . أحلام مستغانمي في روايتها تكلمت بلسان الرجل ، وقد فعلت ذلك مجبرة غير مختارة ، لأنها أمام لغة وتاريخ وذاكرة صنعها الرجل لا تملك حيالها إلا أن تكون رجلاً ، ولعل ميزتها أنها فعلت ذلك عن وعي ، على عكس غيرها من الأديبات ، فها هي غادة السمان تقول .. “ما أروع وما أسوأ  أن تكون امرأة  ..” دون أن تنتبه إلى أنها تستعمل ضمير الذكورة للتعبير عن أنوثتها ، وها هي نوال السعداوي في كتاباتها تتحدث بضمير المذكر للدفاع عن قضايا تخص الأنثى .

 ماذا كان يمكن لأحلام مستغانمي أن تكتب لو أنها تحدثت بضمير الأنثى والذاكرة التي صنعها الرجل لا تختزن سوى صورة مشوهة لها ، فهي جارية وساحرة ، وأداة للتسلية والمتعة .

 ماذا كان يمكن لها أن تكتب والتاريخ لا يعترف إلا بالأبطال الذكور والأذكياء الذكور .إن العبقرية ذاتها حكراً علي الذكور . فها هي مي زيادة إحدى الرائدات في مجال تحرير المرأة والكتابة لا تجد حرجاً في أن تقول أتمنى أن أكون في عبقرية الرجل .

 ماذا كان يمكن لها أن تكتب واللغة يجري استلاب أنوثتها بتذكيرها وردها إلى أصل مفترض هو التذكير .

 إن التشويه الذي تعرضت له الكاتبة عندما أرغمت على السرد بضمير لغوي غير ضميرها الأنثوي وبذاكرة غير ذاكرتها الأنثوية ، قابلته بتشويه مضاد لأبطال روايتها ( ن ) حيث يتعرض خالد بطل الرواية لعملية بتر لذراعه إثر إصابته بجرح بليغ في إحدى المعارك.

 ، والبتر عند فرويد هو رمز مرادف لفقد الرجولة ، كأن الكاتبة أرادت أن ترد على تذكير اللغة والتاريخ والذاكرة بإلغاء رمز هذا التذكير ، التشويه طال أيضاً مناضلي الأمس الذين تحولوا إلى سماسرة وانتهازيين ولصوص ، لم يسلم من التشويه سوى زياد الشاعر الفلسطيني ، لعل مرد ذلك إلى أن الكاتبة هي شاعرة أيضاً ، كما أنها لا تريد للتشويه أن يطال الذاكرة التي يمثلها الشاعر حتى وإن كانت ذاكرة ذكورية . على أمل أن تفلح المرأة يوماً في كتابة ذاكرتها لتصنع مع ذاكرة الرجل ذاكرة واحدة للوطن .

 بطلة الرواية تحمل اسم (أحلام) وهو نفس اسم الكاتبة أي أن هناك تطابقاً  ما بين الذات والموضوع ، ما بين كاتبة الرواية وبطلتها ، لم تعد المرأة مجرد موضوع ، لم تعد مجرد علامة تأنيث ، لم تعد معنى تستدعيه الذاكرة ، صارت ذاتاً ، أو دعونا نكون اقل تفاؤلاً لنقول صارت ذاتاً في طور التشكيل و الانعتاق .

 أحلام في معنى آخر من معانيها هي رمز للوطن الذي استشهد من أجله أبطال الثورة الجزائرية والذي ينعم بخيراته السماسرة والانتهازيون واللصوص والعسكر ، ولقد كان مشهد دمها المسفوح على فستان عرسها الأبيض ليلة زفافها إلى أحد أبناء الجنرالات رمزاً آخر يرمز إلى دم الجزائريين المسفوح على أعتاب التطرف والجاهلية و عسف السلطة .

  أحلام مستغانمي كانت تستبق الأحداث وتدافع عن نفسها ضد هجوم محتمل عندما قالت على لسان بطلتها ..” لا تبحث كثيراً ..  لا يوجد شيء تحت الكلمات . إن امرأة تكتب هي امرأة فوق الشبهات .. إن الكتابة تطهر  ، ابحث عن القذارة حيث لا يوجد أدب ” وكانت تمارس نقداً ذاتياً عندما قالت.. “سيقول نقاد يمارسون النقد عوضاً عن أشياء أخرى إن هذا الكتاب ليس رواية ، إنه هذيان رجل لا علم له بمقاييس الأدب . وتضيف أيضاً .. ” أؤكد مسبقاً جهلي واحتقاري لمقاييسهم ، فلا مقياس عندي سوى مقياس الألم ، ولا طموح لي سوى أن أدهشك وأن أبكيك لحظة تنتهين من قراءة هذا الكتاب ” .

 أدهشتنا أحلام مستغانمي وهي تنسف قواعد الرواية وتخرج عن أصول اللعبة ،لتكتب لنا نصاً ينزف شعراً ، ودماً ، وألماً ، وسرداً ،  تكتب لنا نصاً يحتفي باللغة ويجعلها بطلة له ، تلك اللغة التي حاول المستعمر الفرنسي وأدها ، فإذا بها تبعث على يدها من جديد

 أدهشتنا وهي تقتحم حصون الرجل وتدخل محرابه وتحطم ثالوثه المقدس ، السلطة التي مارسها بسادية عبر التاريخ ، والدين الذي أحتكر كهنوته وطقوسه ، والجنس الذي كان له فيه دور ذكر الماعز .

المصادر : ذاكرة الجسد / رواية أحلام مستغانمي / دار الآداب – الطبعة الثالثة _ المرأة واللغة / عبد الله الغذامي

شارك المقالات:

مواقيت الصلاة

حالة الطقس

حاسبة العملة

Manage push notifications

notification icon
We would like to show you notifications for the latest news and updates.
notification icon
You are subscribed to notifications
notification icon
We would like to show you notifications for the latest news and updates.
notification icon
You are subscribed to notifications