كتبت . عفاف عبدالمحسن
إصدار جديد للمؤرخ . سالم الكبتي

«حكايات الغروب» إصدار عن «دار الجابر» في هذا الشهر مايو 2025 م ضمن إصدارات جمة لعناوين وكتاب تميزت الجابر بالاحتفاء بكتبهم بطريقتها .. الحكايات الشفقية الماتعة في مواضيعها وسلاسة كتابتها .. أهداه الكاتب المؤرخ لحفيده وأبناء وبنات جيله ( سالم ) الحفيد الذي سيجد بإذن الله إذا كان الجيل من القراء فعلا .. تاريخا ليبيا عن بعض أو جل أو كل مامرت به بلادهم من خيرات وويلات وإن كانت الأخيرة هي الكثيرة الموثقة في التاريخ المعاصر بين القرنين التاسع عشر والعشرين
(( سالم الكبتي )) الجد .. الأديب والمؤرخ الذي لم يتوقف قلمه مذ بدأ الكتابة والنشر في العام 1966 وصدر له عديد الكتب في مجالات ثقافية مختلفة بين المقالة المُحَكَمَةِ والقصة القصيرة التي أخذت أيضا خطا توثيقيا تاريخيا لأحداث في أماكن ومع شخوص بعينهم لتتصدر كتاباته ومحاضراته ومؤلفاته التوثيق التاريخي المهم إذ يؤكد دائما أن النقل الشفاهي للأحداث التاريخية متداول في بلادنا ومعروف منذ القدم وعنه وصلت عديد المشهديات المرير منها والموروث اللامادي من حكايا وأشعار دلت على هوية الليبي .. إلى أن بدأ بعض المؤرخين كتابته لحفظه خوفا من التزييف وكي يبقى للأجيال وهذا ماحدث .
حكايات الغروب للكبتي .. كتاب يضاف للسرديات التأريخية للمواقف والأحداث التي مرت بها مدينة عريقة قوية صمدت رغم كل شيء فشكلت ذاكرة وطن .. وكما كتب في السطر الأخير من الحكاية الثامنة عشر التي رأيت أن أدرجها للقارئ هنا كي أفتح شهية عشاق الحكايا القديمة لقراءة مزيد منها سيجدها مخلوطة بالحنين والحب وعبق القديم العابق بالحزن والفقر مع صدق الابتسام وغنى النفس وتلاحم القلوب ونبذ الفرقة والحقد .. الطيبة التي فرضتها الحالة الحياتية للمكان فشكلت نفوس الناس فيه عيشة على البساط الأحمدي كما يقال أي نقاء وبساطة وفي السطر الأخير تقول إحدى حكايات الغروب .. إن هذا :
” ماحدث فى بنغازى ذات يوم ذات عام ذات حرب ذات طاعون“

الحكاية الثامنة عشر
كانت الحرب تحصد العالم جميعا تلك السنه .. بدات فى 1914 وانتهت فى 1918 واسموها ” الحرب العالمية الاولى “ وعندنا إضافة الى الحرب اللعينة وهى فى كل الاحوال عبث وكارثة .. كان الحزن يقطعنا بمنشاره .. والتشتت .. وفقد الأحباب .. والمجاعة .. ثم الطاعون الرهيب .. وسماه الأجداد الكبه .. انتشر مع الجوع والدمار وظل يفتك بنا فى الزرايب .. أحرقت الكثير من الجثث فى سيدى حسين .. وأقامت إيطاليا ” كرنتينا ” أو حجرا صحيا فى جليانه .. وفى اجدابيا منع البعض من المجيء إلى بنغازى .. حزن وطاعون وموت على مد العين .. وفى تلك الايام ضاع الكثير وفقد العديد وانتشر المزيد من الحزن بلا توقف .. وصار الخوف اكثر على البنات اللواتى اضطررن للفرار من الدواخل .. ووصلن إلى بنغازى .. وفى زقاق الكوافى المتفرع من سوق الجريد ينهض عمل الخير .. ويتوهج التطوع .. وتبرز هنا جهود أربعة من المدينة الشيخ محمد بن عامر مفتى بنغازى . والشيخ خليل الكوافى . والسيد ابراهيم كانون . والمعلمة حميدة العنيزى . يفتحون أحد البيوت بالزقاق .. يصبح مأوى للبنات .. يجدن الرعاية والحنان والحدب وتحفيظ القران وتعليم الدروس والكتابة والخياطة والتطريز وفوق كل ذلك الحماية والحنان ..
للحرب اهوالها وللطاعون ثمنه ولعمل الخير دون مقابل ينهض الرواد من الرماد على الطريق وينثرون المحبة والعناية للاخرين