بينما كان المغاربة يستعدون لأجواء شهر رمضان الكريم، فوجئ المواطنون بقرار ألغى فيه الملك محمد السادس ذبح الأضاحي التي تحتل مكانة كبيرة في المغرب في العيد الكبير الذي يحل هذا العام في الأسبوع الأول من يونيو القادم، وعزا ذلك إلى الانخفاض الكبير في أعداد المواشي.
الملك لم يظهر بنفسه لإلقاء كلمته، لكنها جاءت في بيان تلاه وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية أحمد التوفيق عبر التلفزيون الرسمي، وجاء فيه “الملك سوف يقوم بالتضحية نيابة عن الشعب المغربي”.
رغم أن هذا القرار أثار زوبعة من الجدل بين المغاربة، فإن رئيس جمعية المنارات الإيكولوجية من أجل التنمية والمناخ، مصطفى بنرامل، يقول إن هذه القرارات الملكية شهدها المغرب 3 مرات عبر تاريخه الحديث.
ويضيف الخبير البيئي بنرامل في حديثه للجزيرة نت “في أعوام 1963 و1981 و1996، أطلق الملك الراحل الحسن الثاني بن محمد دعوات مماثلة بإلغاء شعيرة ذبح الأضحية في عيد الأضحى، استجابة لظروف اقتصادية وبيئية استثنائية أدت إلى ضغوط على القطاع الفلاحي والثروة الحيوانية”.
اليوم وبعد 29 عامًا من آخر مرة مُنع فيها ذبح الأضاحي في المغرب، يعود القرار مع الملك محمد السادس، والسبب ذاته يكمن في أزمة مناخية فرضت نفسها، وبلغت ذروتها هذا العام مع وصول الجفاف والتصحر إلى مستويات مقلقة.
للعام السابع على التوالي، لا يزال الجفاف جاثمًا على صدر البلاد، مدمرًا العديد من الأراضي الزراعية، ومقللاً المياه ومخزون السدود، ومستنزفًا قطعان الماشية حتى أقرت الحكومة نفسها بأن أزمة المياه خانقة وغير مسبوقة.
وعلى مدار هذه الأعوام، أثار تأخر سقوط الأمطار المخاوف حول الخسائر التي قد تلحق قطاعي الزراعة والثروة الحيوانية، خاصة أن قطاع الفلاحة يوظف 31% من السكان العاملين، ويساهم بنحو 14% من الناتج المحلي الإجمالي.
وفقًا لرئيس المكتب الوطني لجمعية “مغرب أصدقاء البيئة”، المهندس محمد بنعبو، فإن التغيرات المناخية تؤثر على القطاع الفلاحي بشكل كبير، ويضيف في تصريحات للجزيرة نت أن “هذا القطاع الذي يمثل حوالي 87% من استهلاك الموارد المائية الوطنية السطحية والجوفية، يعاني في ظل تداعيات جفاف مستمر منذ سنوات، ما أثر بشكل مباشر على قطاع تربية الماشية”.
هذا فضلًا عن تداعيات موجات الجفاف المتتالية على معدلات النمو الاقتصادي بالمغرب، فوفقا لتقرير للبنك الدولي في عام 2022، بلغ تباطؤ النمو 1.1% مقابل قرابة 8% في 2021، مشيرًا إلى أن المرونة أمام شح المياه وصدمات أسعار السلع الأولية أمران حاسمان للنمو والاستقرار الاقتصادي في أنحاء البلاد الواقعة في شمال أفريقيا.
وأثرت موجات الجفاف غير المسبوقة بشكل عميق على الموارد المائية السطحية والباطنية، بينما تراجع منسوب ملء السدود إلى نحو 35% من قدرتها الاستيعابية رغم التساقطات المطرية الأخيرة.
وفي ظل توالي سنوات الجفاف، أضحت 7 سدود كبرى شبه فارغة من المياه، إذ لم تتجاوز نسبة الملء بها 10% فقط وفق البيانات الرسمية، وزاد جفاف عدد من العيون والآبار والبحيرات الأزمة عمقا.
ووفقًا لما تظهره صور الأقمار الصناعية، فإن ثاني أكبر خزان في البلاد، وهو خزان المسيرة الواقع بين الدار البيضاء ومراكش، والذي يخدم بعض المدن الكبرى وكان له دور محوري في الري الزراعي، لا يحتوي الآن إلا على 3% من متوسط كمية المياه التي كان يحتوي عليها قبل 9 أعوام فقط.
وبحسب التقارير المحلية، فقد أفرغت فصول الشتاء الجافة المتعاقبة السدود التي تزود المنازل، وتروي قطاع الزراعة، ما أدى إلى ارتفاع أسعار الخضروات والفواكه إلى مستويات قياسية، وتقليص محاصيل الحبوب بنسبة بلغت 67% وفق ما أعلنته وزارة الزراعة.
على مدار السنوات الماضية، تعيش البلاد أزمة مياه غير مسبوقة دقت معها المنظمة العالمية للأرصاد الجوية ناقوس الخطر بشأن التغيرات المناخية التي يشهدها العالم عموما، والمغرب خصوصا، مؤكدة ضمن تقريرها السنوي عن حالة المناخ أن عام 2022 كان الأكثر جفافا منذ 4 عقود مضت بالمملكة.
وقال التقرير في عام 2021 إن تركيزات الغازات الدفيئة الرئيسية مثل ثاني أكسيد الكربون والميثان؛ بلغت مستويات قياسية، مؤكدا أن الزيادة السنوية في تركيز الميثان عرفت أعلى مستوى لها، ما اعتبره التقرير مؤشرا خطيرا بالنظر إلى أن الميثان أقوى بنحو 25 مرة من ثاني أكسيد الكربون في حبس الحرارة في الغلاف الجوي.
وتظهر الدراسات أن متوسط درجة الحرارة السنوية في جميع أنحاء المغرب ارتفع بمقدار 1.7 درجة مئوية بين عامي 1971 و2017 في بعض أجزاء شمال المغرب ووسطه، وهي المنطقة التي كانت دائمًا سلة غذائية للمملكة، كما ارتفع متوسط درجات الحرارة السنوية بمقدار درجتين مئويتين.