الأخبار الشاملة والحقيقة الكاملة​

2025-07-01

4:27 صباحًا

أهم اللأخبار

2025-07-01 4:27 صباحًا

جسر الأصداء

مجد العماري

مجد العماري

في مدينةٍ لا تعرف النوم ، يتشبث جسر الأصداء بالضباب كشاهدٍ على زمنٍ غابر. كان الرجل العجوز “سليم” يعبره كل ليلة، كأنما يبحث عن شيءٍ ما بين حجارةٍ تذكره بخطواتٍ مضت .. لم تكن رائحة المطر على معطفه القديم سوى ظلّ لذكرى امرأةٍ مرَّت هنا ذات خريف ، حين كان الوقت يبدو كافياً لاحتضان الحب قبل أن يختفي كالدخان.

توقفت تحت قوس الجسر المُضاء بضوءٍ متقطع، حيث تُخفي المصابيح الخافتة وجوهاً لا تُكمل نظراتها الأرض. سمع صوت خطوات شابٍّ يمرُّ بجانبه ، عيناه مثقلتان بأحلامٍ ثقيلة …

_ “هل يُحقّق الجسر الأمنيات حقاً؟” سأل الشاب بلهفةٍ مكتومة، كمن يرمي حجراً في بئرٍ عميقة.

_ نظر سليم إلى الضباب المتعرج: ” نعم… لكنه يطلب ثمناً قد ترفض دفعه لاحقاً “.

أغمض عينيه، فعادت إليه صورة ” ليلى” كشريط سينمائي بالي: ابتسامتها التي تشبه انكسار الضوء على الماء، ورسائلها التي كان يخبئها تحت البلاطة الثالث في شقته ، والتي أصبحت الآن مجرد أوراق صفراء تأكلها الرطوبة.

*ولم يعرف إلا بعد فوات الوقت أن “الأبد” قد يكون مجرد مرادفٍ للغياب.*

في الشقة العالية حيث يعيش وحيداً، كان برغي الصنبور المتسرب يتناغم مع دقات الساعة .. على حافة النافذة علبة معدنية تحوي خصلة شعرٍ أسود لم يجرؤ على لمسها منذ سنوات .. تذكر كيف صارت ليلى بعد الزواج تتجنب السير على الجسر، كأنما تخشى أن يذكرها الثمن الذي دفعته لقاء سعادتها الزائلة.

نزل المطر فجأة، فتحولت أنوار المدينة إلى كتلة مائية متلألئة. عند قمة الجسر، التقت نظرة سليم بفتاةٍ في العشرين تحمل حقيبةَ رسام. مرت بجانبه سريعاً، فالتقطت أذنه همساً كصوت أوراق الخريف: “أتعلم أن الحب المفقود يترك ظلاً أطول من صاحبه؟”. عندما التفت، لم يجد سوى ضبابٍ يلعق أحجار الجسر كقطٍّ جائع.

في الصباح التالي، عُثر على معطف سليم القديم مُعلَّقاً على حاجز الجسر، تحته ورقة بيضاء مكتوباً عليها بخطٍ يمرّ بين الاتزان والارتعاش: “أدفع الثمن أخيراً”. لكن المدينة استيقظت كالعادة على أصوات السيارات والباعة المتجولين، بينما ظلت نافذة الشقة العالية مفتوحة تهزها الرياح، كأنها عينٌ تُراقب لغزاً لم يُحل بعد.

شارك المقالات:

مواقيت الصلاة

حالة الطقس

حاسبة العملة