” بدأت تتلاشى مع تبدل الزمن ومعظم معايدات الجيل الجديد تتم على الهواتف المحمولة ومواقع التواصل “
زايد هدية

تلاشت رائحة البخور و الأكلات الشعبية و الحلويات الخاصة بالعيد في ليبيا من عام لآخر حتى بات بعضها غير موجود إلا في أحاديث الذاكرة
من عام إلى عام ومن إلى عيد إلى آخر بدأت تتلاشى كثير من العادات الليبية القديمة في هذا اليوم، مع تبدل الزمن وتغير الأجيال على رغم صمود بعض الطقوس الشعبية في هذه المناسبة، مثل الإفطار على العصيدة والتجمع في الغداء على وجبة البازين الشعبية التي تشتهر بها ليبيا وتوزيع الحلوى على الأطفال. إلا إن نكهة العيد تغيرت ولم تعد مناسبة تجمع الأقارب والأحباب كما كانت في سنوات خلت.
نكهة مفقودة
يقول مواطن ليبي عاصر التبدل في طريقة الاحتفال بالعيد بين جيلين مختلفين، وعاش أجواء العيد القديمة وواكب تغيرها خلال السنوات الماضية، “عندما كنا صغاراً كان للعيد مذاق مختلف وكنا ننتظر حلوله بفارغ الصبر بسبب طقوسه الجميلة وتجمع العائلة وسط جو حميم تعبق فيه رائحة البخور الذي تطلقه النساء والعجائز طوال أيام العيد، بينما تبدأ القناة التلفزيونية الحكومية الوحيدة في بث أغاني العيد المعروفة ومن أبرزها أغنية ’مبروك عيدك يا عزيز علي‘ التي يعرفها كل الليبيين وترتبط بذكريات الزمان الجميل” حالياً قل التواصل بين الناس وباتت العائلات لا تجتمع إلا نادراً وباتت أيام العيد أياماً للراحة أو الخروج في رحلات عائلية بسبب ضغوط الحياة التي زادت، فبات هذا اليوم متنفساً للهروب منها”.
وكما بدأت كثير من طقوس العيد في الماضي الجميل تتبدل، فمثلاً عندما كنا صغاراً كان أطفال كل شارع يتجمعون ويطرقون أبواب البيوت بيتاً بيتاً ليجدوا النساء في انتظارهم بأصناف الحلوة بينما تجود أيدي الرجال بمبلغ مالي صغير كان يشكل كنزاً لنا ننتظره من عام لآخر، ونضع الخطط لتدبيره وكيفية صرفه في أيام العيد، وعادة نشتري به الألعاب، واليوم تبددت هذه العادات وما عاد الأطفال يطرقون باب الجار ولا الجيران يشترون الحلوى لتوزيعها عليهم”.

العادات الطرابلسية
وكانت مظاهر العيد في ليبيا قديماً تختلف بين منطقة وأخرى، فمثلاً في طرابلس كانت النساء تبدأن منذ ساعات الفجر الأولى في تجهيز قاعة استقبال الضيوف بعد تعطيرها بالبخور، في حين يرتدي الرجال “الزبون”، وهو زي تقليدي يتكون من ثلاث قطع: البنطلون والقميص والفرملة المطرزة بخيوط الحرير، وهو لباس تقليدي يلبس فوق الجلابية البيضاء عادة قبل الخروج لأداء صلاة العيد.
وكانت الوجبة الأساس لأهل طرابلس في العيد هي السمك نظراً لارتباط مهنة الصيد تاريخياً بسكان المدينة، وباعتبار أنه يجلب الحظ الجيد لأصحابه، وهي عادة لم يعد يتمسك بها إلا القلة من أهل العاصمة.
وكانت القهوة العربية دائمة الحضور في مشاهد الاحتفال هذه جنباً إلى جنب مع معمول التمر والكعك المالح والغريبة، وهي حلويات كلها كانت تعد في المنازل خلال الأيام التي تسبق حلول العيد.
ودرجت العادة في طرابلس على الاجتماع في بيوت الأجداد لتناول طعام الغداء، بينما اليوم باتت حلويات العيد تشترى جاهزة وبات من النادر جداً إعدادها في المنازل مثل السابق.

العيد في الشرق
وفي شرق ليبيا كانت هناك بعض العادات الخاصة في العيد وعادات مشتركة مع باقي المناطق الليبية، وإفطار هذا اليوم في بنغازي والشرق بصفة عامة يكون طبق العصيدة بالرب التي يتناولونها بعد صلاة العيد، وتكون ربة البيت في أواخر رمضان قد جهزت مجموعة من الحلويات الليبية المعروفة مثل الغريبة والمعمول والكعك، ويرتدي الأطفال ثياب العيد الجديدة وتتزين كفوف البنات بالحناء الجميلة التي تضيف على ملابسهن الأنيقة مظهراً جمالياً خاصاً، وتتزاور العائلات لتقديم التهاني، وينال كبار السن الأولوية في المعايدة، كما يتنقل الليبيون بين المدن في أيام العيد للترفيه وقضاء هذه الأيام في جو من الألفة والمحبة والسلام.
أما التلفزيون الليبي فيبث المسرحيات العربية والمحلية وإن كانت قد أعيدت آلاف المرات غير أن الذاكرة الليبية أصبحت تربطها بهذا اليوم.

في عيد الأضحى تُخصَّص أيام العيد للتكبير والتسبيح والاستغفار وصلة الرحم وزيارة المرضى والتصالح بين المتخاصمين وغيرها. وتحرص النسوة في عدة مناطق أخرى على عادة تكحيل عيني الخروف بالكُحل احتفاء به، وتُشعلن البخور وتطُفن به داخل البيت وهنّ تبتهلن وتصلين على النبي محمد صلى الله عليه وسلم. وتستعد الليبيات لهذا اليوم بتنظيف البيت وتزيينه، ومع حلول ساعات الفجر الأولى لأول أيام عيد الأضحى، يستيقظ أفراد الأسرة باكرا وينطلقون لأداء الفجر ومن بعدها صلاة العيد في المصليات بالهواء الطلق أو في المساجد حسب الظروف المناخية والتنظيمية لكل منطقة، وهم يلبسون الزي التقليدي الليبي الممثل في الكاط الليبي وبعدها يتبادلون التهاني والتبريكات، ويحرصون بعد صلاة العيد على المعايدة على كبار السن من أفراد الأسرة، قبل ذبح الأضاحي، وبعد الانتهاء من خطبة العيد يذهب الإمام مسرعًا لذبح أضحيته وبعد ذبحها يقوم الإمام برش دم الأضحية على سعفة من النخيل ويقوم بتعليقها أمام منزله ليعرف الناس أنه قد ذبح الأضحية، عندها يتوجهون إلى بيوتهم لذبح أضاحيهم وأضاحي أهلهم وجيرانهم التي تبدأ بذبح أضحية كبير الأسرة أولاً ثم الأصغر فالأصغر، مصداقا لقوله تعالى في سورة الكوثر: {إنا أعطيناك الكوثر، فصلّ لربك وانحر}، وتعلق الاضحية على معلاق من الخشب، وأول ما يتناوله الليبيون من الأضحية جزء من الكبدة مشوية، وللإفطار تخلط الكبدة والرئة والقلب، وتسمى (قلاية) ويتم تناولها مع خبز التنور، وبعد استكمال الذبح يلتقي أفراد الأسرة عند كبير الأسرة كالأب أو الجد أو العم الأكبر للغذاء وتمارس هذه العادة على مدى ثلاثة أيام تقريبًا، ووجبة الغذاء غالبا ما تكون طبق شعبي دسم يتشابه أو يختلف بين العائلات في مدن الغرب والجنوب يحتفلون بقصعة البازين وفي الشرق ( طبيخة البطاطا ) أغلبهم .
من عادات الليبيين قديما الأضحية تبقى معلقة إلى ثاني أيام العيد الذي يسمى (يوم التقطيع)، وهي طريقة مفيدة أكدتها التقارير العلمية الطبية، حيث يتم تقطيع الأضحية بطريقة فنية للحم، مثلاً اللحم الذي يراد تجفيفه تحت أشعة الشمس ليصبح (قديدًا)، أما (الكرشة) وهي معدة الخروف فتُقطع شرائح، وكل منها يوضع بها قطعة لحم صغيرة ويتم لفها، والجزء الأخر يجهز به العصبان.
بينما تتكفل ربات البيوت بغسل أحشاء الأضحية (المصارين)، وتشويط الرأس وأطرافها، إلى جانب تقطيع الرأس والأرجل التي تحفظ إلى مناسبة عاشوراء هي و(عصبان الشمس)، وهناك من يقوم بتقطيع اللحم إلى قطع ويغمر مع الزيت ويُسمى (الهبيط).ويتميز مجتمعنا خلال أيام عيد الأضحى بالتقاليد الخاصة بتوزيع لحم الأضاحي على الأقارب والأغراب كضرورة من العادات في أيام العيد، كما يوزع جزء من الأضحية والفقراء والمساكين