الأخبار الشاملة والحقيقة الكاملة​

2025-12-09

4:55 صباحًا

أهم اللأخبار

2025-12-09 4:55 صباحًا

من أين نبدأ حواء ؟

من أين نبدأ حواء ؟

مريم سلامة

حواء القمودي كما قرأتُها في ( وردة تنشب شوكها”) و (بحر لا يغادر زرقته) حقا … من أين نبدأ حواء ؟! وفي كل قصيدة نفير حواس اجتمعت لترصد  :

• سيرة البنت

• طرابلس التي تحب

• طرابلس التي تعيش

ولكن هل البداية تاريخها, مكانها, شخوصها, أو أبطالها مهمة في قراءة شاعرة تقدم قصائدها المختارة في مجموعتين شعريتين عنونتهما : ( وردة تنشب شوكها)  (بحر لا يغادر زرقته)

ونحن نعرفها شاعرة قبل هذين  التوأمين بزمن طويل ؟ ونحن نعرفها طفلة قلبها كون عشق …

أنا طفلة سرقتني الكلمة

أغرتني بالجمال

الفراشات تطوف بالضوء

الزهر أحمر

من يفلت سحرك

أيتها الكلمة أطلقي سراحي

وأنا صديقة حواء القمودي لا أدعي نقدا و لا هم يحزنون .. ولكن أكتب حبا في شاعرة أحبها و أحب شاعريتها و أتلذذ بقضم قصائدها .. ونحن نعرف أن الوقت في الشعر ليس رقما, بل روح تخزن التفاصيل بأضوائها .. و ألوانها .. بأسرارها .. و أخبارها وتتركها لذاكرة من بعض أدواتها يقظة الحواس .. و مخيلة من بعض أدواتها الرسم بإتقان .” دعني أرقص و أدور أرسم مدينة ….. و أقبض بيديّ عاصفة ….. “.

“يريدني أن اكتب شعرا حين تلمسه يد .. تحترق بلهب المعنى .. أن ألطم دفاتر الأيام بخيط ملون ”

 وكان لها ما أرادت .. نعم وهكذا كان .. لا تواريخ تؤرخ القصائد و هنا نستثني قصيدة عنوانها المكان و الزمان ( طرابلس 1994) بل شاعرة تنبش ذاكرتها بمنقار السنونوة .. بفرح العودة إلى قرمبيولها الكحلي و جرد أبيها الصوفي .. وتصعد بنا في لحظات النضج والمواجهة المنفردة مع الغرفة المظلمة و الباردة “حيت اكتشف الجسد مداه ” وتهبط بنا على شواهد قبور الراحلين ..  وميادين غابت عنها البهجة وقد احتلها الموت وشهوة الدم ..  وتعاود الطيران والهمس جهرا والجهر عشقا .. ونحن معها نتلذذ بكل قضمة من رغيف المعرفة التي نبتت شجرتها في سوق الجمعة بكل إرثها و حاضرها.

“الحبر يسيل من زوايا فمي . ليس هناك سعادة تضاهي سعادتي . أنا أقضم الشعر”

في يدها حواء مرآة .. ترى الأشياء بصفاء روحها و روحها عيون ماء و جسدها خيوط كتابة تغزل حكاية البنت, التي جعلتها أولى محطاتي في رحلة عبور إلى شاعريتها المتاحة للقراءة الشاعرة و ليس الناقدة.

” أتدرين أيتها المرآة . في هذا اليوم الأول من أكتوبر . اشتهي أن انزع كل أقنعتي “

حتى نشرب من النبع الذي شربت منه, تكتب حوا عن طفولة كل شي فيها محسوس وملموس .. يدها مفتاح ذاكرتها تمدها إلى خبز ساخن وتفتح بها جرة الزيت وخابية السمن وتمحو بها وجوه فرغت من محتواها وتفتت بها أشياء ” اكنس ما علق من دخانهم في مطبخي” تربت على العراجين  تمتطي واقعا بعيدا و تستحضره بثقة الشعر في البوح في الكتابة برمل السانية الذي شرب كثيرا من دلالها و صار غابة زيتون ولوز وحناء ونخل وياسمينة ومسك ورمان وخوخ و ذاكرة حاضرة .. في اتساع جرد القمودي ببياضه وحنانه ومخيلة ساردة  في زرقة المتوسط و هو يلف خاصرة سوق الجمعة بذراعيه العاشقين.. حاضرة في غموض يلف الأبواب الموصدة و فضول يتوعد الكلمات بمزيد من الجمر وهتك الحكايات بطفلة “كانت عيناها الدهشة شعرها القمح  ضحكتها الصهيل .

تكتب قصيدة تشرب ماء الروح :

في انشغال متيم باستدعاء الذاكرة و أيضا استحضار المخيلة .. تنكب الذات الشاعرة في ثنائية راصدة تارة (أنا) و تارة (هي) تدعوها بأسماء كثيرة فهي الوردة الناشبة شوكها .. والمأدبة العامرة .. وسنبلة مثقلة .. والبنت الفضة .. و بصقة .. و دودة .. والمحاربة الشرسة .. في رحلة طويلة

” الرحلة كانت طويلة شاقة كأنها دعوة نبي”

تعود إلى زمن قصي تلتقي فيها بالبنت في طفولتها في مكانها مع صويحباتها .. مع حقيبتها.. مع كتبها .. مع أحلامها .. مع قمرها العالي .. تفتش بحواس مدركة لفداحة الكلمات زوايا خفية وتقول لقارئيها ها هي كما هي كما أنا .. بحذافيرها من ساعة ملامستها رمل السانية إلى وقفتها وهي  “عند عتبة السادسة و الخمسين”

” كنت مشغولة بنزع الأظافر التي ترسم شوارع وجع”

شغلي الشاغل هو المحيط ” الشاعرة إميلي دكنسون “

_ ومن سيرة البنت إلى سيرة المدينة طرابلس كما تحبها وتتمناها و طرابلس كما تعيشها وتراها. وفي هذه الرحلة لا تقسم الزمن و المكان, كما أفعل أنا الآن, بل تترك المهمة لقلبها وما فيه من حب