الأخبار الشاملة والحقيقة الكاملة​

2025-06-30

7:08 مساءً

أهم اللأخبار

2025-06-30 7:08 مساءً

الكلمة لا تموت والأفكار تتجاوز الزمن

05

حنان كابو

أجرت الشاعرة والصحافية حنان علي كابو حوارا عميقا مع الكاتب والروائي فتحي نصيب في “السقيفة الليبية”، تميز الحوار بأسئلة بدت كقراءة نقدية ثانية لأعماله.


وقد تجاوز الحوار الطابع الصحفي التقليدي، ليغدو تحليلا أدبيا يعكس علاقة فكرية وأدبية مشتركة بين كابو ونصيب.

فتحي نصيب من أهم أفكاره التي طرحت في كتاباته المتعددة :

_ ”الكتابة احدى وسائل الحفاظ على الذات“..

_”الكلمة لا تموت والأفكار تتجاوز الزمن وتتخطى القيود والحدود“..

_ ”هناك نزوع انساني وربما فطري لان يستمع الانسان الى الحكاية“..

_ ”مايلفت نظري هو الطفرة في القصة والرواية الليبية “…

يجدر القول بدء .. أوجد القاص فتحي نصيب مكانا له في عالم القصة ، بل يعد من كتابها في مرحلة السبعينيات والتي مثلت اضافة في المشهد الليبي للقصة القصيرة، تظل الأمكنة حنينا شاغرا يلامس قلمه والذي يسافر به إلى أمكنة وزوايا وطئتها مخيلته .. في أحد اللقاءات معه تغلغلت حياته إلى أين وصل بها وبكتاباته فسألته .. تعيش في منفى إجباري تدفع ثمن قناعاتك ، حلمت بوطن يعيش مواطنيه بحرية ، فماذا حدث ؟ وبسبر غور قلبه وروحه وعقله المترجمة في كتاباته الحوصلة رأيه في معنى المثقف وعلاقته بالكلمة وكيف يعمل فكره ليكتبها حقيقية مؤثرة .. (( المثقف المستنير في العالم كله فرد سلاحه الفكر وأن هدفه أن يجعل هذا العالم أجمل وأن يقول كلمته ضد القبح والفساد والطغيان ))

● فتحي نصيب كتابه عن الحركة السياسية الليبية منذ الاستقلال كان كتابا توثيقا أكثر من كونه إبداعا كتابيا كما عهدناه والتوثيق للحركة السياسية الليبية في تلك المرحلة نراه يركنها لعدة أسباب :  أن ليبيا مازالت أرضا بكرا أي لم يتم تأريخ وتوثيق كل ابعادها التاريخية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والفكرية ، وقد لمس هذا في قلة المراجع عن ليبيا خلال مرحلة دراسته الجامعية للعلوم السياسية ، حتى أنه يقول : نأى بعض الاساتذة بنفسه عن دراسة تاريخنا الوطني والسياسي مثلا، وكثير من المعلومات عن ليبيا نجدها في المصادر الغربية الايطالية والامريكية والانجليزية والتي لم يترجم أغلبها حتى الان .وقد ترك هذا اثرا سلبيا على طلبة الجامعة في جهلهم التام بتاريخ ليبيا السياسي الحديث والمعاصر ولا تستغربي أن معظمهم لايعرف عن بلده أكثر مما قدمه لهم المخرج مصطفى العقاد في فلم (عمر المختار).

كما أنه عمل في كتابه على  تنقية ما يكتبه البحاث العرب عن ليبيا حيث وجد الكاتب الكثير من المعلومات المغلوطة حتى في الاحداث القريبة  فعمل على محاولة لاستكمال جهود بعض الاساتذة الذين بدأوا هذا مثل ( علي عبداللطيف احميدة . ومالك أبو شهيوة ) و الذين درسوا بشكل منهجي تاريخ ليبيا السياسي لتكون اعمالهم مادة جيدة لأي باحث.

 تجربة فتحي نصيب في الكتابة رافقه فيها الحلم الذي ينأى ، في غربته القسرية .. حيث تسيطر الذاكرة ويستعيد حواري وأزقة بنغازي وطرابلس ، وهو راض تماما على ذلك بناء على استقبال القراء لمجموعته ( المد ) ومن بعدها ( مرايا السراب ) حيث تأثير الكان في الذاكرة فيتنقل الكاتب في كتاباته بين أماكن مختلفة كبنغازي مهد الطفولة والشباب ثم طرابلس فالقاهرة وتونس وفرنسا حيث تركت جغرافيا المدن بصمتها من خلال الأحداث أو الشخصيات .. أما عن كتاباته خلال عشر سنوات قضاها في السجن السياسي فهل ياترى قاوم الموت بالكتابة وهل من سر قدمته الكتابة له .. ولأن الموضوع نفسي وخاص تركت كشف الأسرار له حيث قال لي :

اكتشفت أن للإنسان قدرات كامنة لاتظهر الا وقت المحن، فكلما كان التحدي أقوى كانت المقاومة أكبر. السجن تجربة مؤلمة وقاسية حرمنا طيلة سنوات من العلاج والزيارة والكتاب والقلم والشمس والهواء النقي حتى الطعام شحيح،اضافة الى التعذيب والاهانات واهدار كرامة الانسان كل وقت وحين، ومع ذلك كان الحلم بأن اجمل الايام تلك التي لم نعشها أبدا، وكانت الكتابة احدى وسائل الحفاظ على الذات، ولك أن تتخيلي اننا كنا نكتب قصة او قصيدة في الرأس، أي بدون قلم وورقة، نكتب ونشطب وننقح ونحذف ونضيف ثم نلقيها على الاخرين من الذاكرة، اليست هذه احدى قوى الانسان الكامنة؟

يمكن القول إذن إن نصيب كانت اتجاهاته سياسية منذ البداية فوجد في الكتابة توثيقا لهذه الميول .. فكما يؤكد أن ثمة فرق بين الاشتغال بالسياسة والآراء التي تهتم بالشأن السياسي  وفي فكره أن بعض العلماء عرفوا الانسان ( كائن سياسي) .. أي يميل الى الاجتماع ومن هذا الاجتماع تنشأ المصالح المتضاربة لذا نشأت فكرة تنظيم هذه المصالح وتقنينها والتي وجدت في شكل الدولة ، وهنا أيضا يلاحظ خلطا كبيرا في الثقافة والادبيات العربية التي لاتفرق بين الدولة والنظام السياسي والسلطة والحكومة ليمتد هذا الخلط الى الانظمة السياسية نفسها التي لاتفرق بين من يشتغل بالعمل السياسي والمواطن البسيط الذي يعبر عن رأيه .. بداية من رغيف الخبز وانتهاء بمناقشة قضايا تهم المنطقة او العالم .. وتأثره لأنه رأى بنفسه افرادا بسطاء جدا اتوا بهم الى السجن السياسي وقدموا بتهم كبيرة وسجنوا لانهم قالوا رأيا في حفرة بالطريق او تساؤل حول الاموال التي تذهب خارج البلاد التي تعاني من ضعف البنية التحتية مثلا، وهذه هموم المواطن العربي بشكل عام ولاتعد عملا سياسيا بأي حال من الاحوال .. إذن من سيرة حياته الإبداعية والحياتية ندرك أن نصيب طموحه ان اكون كاتبا لأنه اراد أن يعبر عن رأيه ورؤيته من خلال الادب والصحافة وفي حوار معه أكد ذلك بقوله ( اخترت أن ادخل كلية الاقتصاد لأتخصص بقسم العلوم السياسية وهو ما أفادني في القراءة الاكاديمية لعلم السياسة، ولم أشتغل بالسياسة لأنه لم تكن بليبيا حياة سياسية بالمعنى المتعارف عليه في العالم، الا أنه يمكن ان تنعكس رؤيتي كغيري من الكتاب الليبيين في الاعمال الادبية اي التعبير عن الرأي السياسي من خلال الادب وليس من خلال المنشور ) .

يتضح في قصص نصيب تأثره كثيرا بحكايات الجدات وكذلك والده الذي كان يمتلك موهبة سرد الخراريف ومن هنا في القصة القصيرة تحديدا كلون من كتاباته الإبداعية هناك نزوع انساني وربما فطري لان يستمع الانسان الى الحكاية ، وهذا مايؤكده وهو يقول إن القصة القصيرة ليست كما يظن البعض أنها عمل سهل .. فمن حيث النزوع الإنساني في الكتابة الإبداعية لازال هذا ساريا حتى الان ، فالمسرحية والسينما تقوم أساسا على قصة أو (حدوتة) أعني رغم تطور التقنية وتنوع مصادر التلقي الا أن العنصر الاساسي هو مادة (الحكي)، اما لماذا القصة فأشير الى أنها تتوافق مع روح العصر حيث يمكن أن يقول الكاتب رأيه بأقل عدد ممكن من الصفحات، وحتى الرواية تبدأ بقصة تتحول على يد الكاتب الماهر الى عمل طويل متشابك الاحداث والشخصيات .. والقصة القصيرة تتطلب مجهودا ودراية واسلوبا كي تشد القاريء، وقد أشار الى صعوبتها الكثير من الكتاب العالميين كماركيز وايزابيل الليندي وأود أن اضيف الى ما قاله بعض النقاد من أن نجيب محفوظ بارع في الرواية رغم تواضعه في القصة القصيرة مقارنة بيوسف ادريس الذي أجاد كتابة القصة أكثر من الاعمال الروائية  وهو يقتنع أن لا حركة نقدية مواكبة لما ينشر ربما من هنا يأتي الغث وينتشر رغم أقلام كبيرة مهمة واستقيت رأيه في هذا بأسف يرى : متى كانت (الحركة النقدية) في ليبيا تواكب ما ينشر؟ للأسف لاتوجد لدينا حركة نقدية جادة ومستمرة الا من بعض الأقلام التي تواكب بعض الاصدارات، ونتيجة لغياب الناقد المتخصص فقد لجأ المبدعون أنفسهم الى ممارسة الكتابة النقدية، ليبيا تخلو من حركة نقدية كما نجدها في مصر أو العراق أو الخليج أو دول المغرب العربي، ولذا قلت وكتبت أن الحركة الابداعية الليبية نشطة وغزيرة لكن لاتجد من يقرأها نقديا.

شارك المقالات:

مواقيت الصلاة

حالة الطقس

حاسبة العملة