مع استمرار الحرب الأهلية في السودان منذ أبريل 2023، تدفق أكثر من 4 ملايين شخص إلى دول الجوار، وجدت نسبة كبيرة منهم نفسها في مواجهة واقع صعب بين ليبيا ومصر. وبينما استقبلت مصر أكثر من 1.5 مليون سوداني، فإن الضغوط الاقتصادية، والتشديدات الأمنية، وسوء أوضاع الإقامة دفعت كثيرين للبحث عن مخرج بديل عبر الحدود الغربية نحو ليبيا، ومنها إلى أوروبا عبر طرق الهجرة المحفوفة بالمخاطر.


مؤشرات إحصائية مقلقة
وفقًا لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فقد ارتفع عدد السودانيين الذين وصلوا إلى أوروبا بنسبة 134% خلال الأشهر الخمسة الأولى من عام 2025، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، رغم انخفاض عدد المهاجرين القادمين من شمال إفريقيا بشكل عام.
أشارت مصادر أمنية ليبية إلى أن ما بين 20 و25 ألف لاجئ سوداني عبروا الحدود إلى شرق ليبيا منذ اندلاع الصراع، معظمهم قادمون من الأراضي المصرية. ويقدّر عدد العابرين الأسبوعي حاليًا بما بين 200 و250 شخصًا، مع توقعات بزيادة العدد خلال فصل الصيف.
ورغم ما تمثله ليبيا من خطر على حياة المهاجرين بفعل وجود الميليشيات ومراكز الاحتجاز العشوائية، فإن الكثير من السودانيين يعتبرونها بوابة وحيدة نحو أوروبا، بعد انسداد الأفق داخل مصر.

أكثر من 1,469 مهاجرًا سودانياً حتى مايو نحو أوروبا
في مصر، ومع زيادة عدد السودانيين الباحثين عن اللجوء، اشتكى الكثيرون من صعوبة الحصول على الإقامة، خاصة بعد فرض رسوم مالية مرتفعة تتجاوز 1000 دولار للحصول على تصريح رسمي. كما دخل قانون لجوء جديد حيز التنفيذ عام 2024، وضع جميع ملفات اللاجئين تحت إشراف الحكومة المصرية، بدلًا من مفوضية اللاجئين.
هذا التحول القانوني صاحبه، بحسب نشطاء ومحامين، تصاعد في حملات الاعتقال والترحيل حتى لمن يحملون وثائق المفوضية، وهو ما أكدته منظمات حقوقية مثل “العفو الدولية”، التي وصفت ظروف الاحتجاز بأنها غير إنسانية وتنتهك المعايير الدولية.
وفي إحصائية حديثة لوكالة الحدود الأوروبية “فرونتكس”، جاء السودانيون ضمن أعلى ثلاث جنسيات سلكت طريق شرق المتوسط عبر ليبيا إلى اليونان، حيث وصل أكثر من 1,469 مهاجرًا حتى مايو، مقارنة بـ 361 في نفس الفترة من العام الماضي.
رغم النفي الرسمي من الحكومة المصرية، تقول جماعات حقوقية إن ملف الهجرة بات ورقة ضغط تستخدمها القاهرة للحصول على دعم مالي من الاتحاد الأوروبي. وفي مارس 2025، أعلن الاتحاد الأوروبي عن حزمة تمويل بقيمة 7.4 مليار يورو لمصر بهدف دعم جهود الحد من الهجرة غير الشرعية.
لكن تقارير داخلية للمفوضية الأوروبية، اطّلعت عليها “رويترز”، كشفت أن أغلب اللاجئين لا يحصلون على أي دعم اجتماعي أو حماية صحية، ما يجعلهم عرضة للتهميش والفقر، ويدفعهم للمخاطرة بالسفر إلى دول أخرى.


طريق البحر من ليبيا إلى أوروبا
بالنسبة للغالبية العظمى من اللاجئين السودانيين، فإن خيار العودة إلى السودان غير مطروح بسبب القتال المستمر. أما البقاء في مصر أو ليبيا، فمحفوف بالمعاناة أو الخطر، مما يضعهم في مواجهة طريق قاسٍ نحو أوروبا، رغم ما يحمله من مخاطر الغرق أو الاحتجاز أو الترحيل.
ومع تصاعد خطابات اليمين المتطرف وسياسات الترحيل في أوروبا، يجد اللاجئون أنفسهم عالقين بين ثلاثة خيارات: الانتظار بلا أفق، الهروب بلا وجهة، أو الخضوع لقوانين لا تحميهم