أطلق عليه شهيد الحق.. إنه الناشط عبد المنعم المريمي، الذي مات في مبنى النيابة العامة بعد أن قفز من منور الدور الثالث أمام الحراسات والقضائية.
الحادثة أصبحت مثار حديث وسائل التواصل الاجتماعي، والمطالبات بالتحقيق في الحادثة كثيرة، خاصة وأن النيابة أكدت أن المريمي كان ينتظر إجراءات الإفراج عنه.
ردود الفعل على الحادثة تباينت بين الشعبية والاجتماعية والدولية، في ظل صمت تام من الجهات الرسمية.
إغلاق الشوارع
فعلى الصعيد الشعبي شهدت طرابلس وبعض ضواحيها وتاجوراء والزاوية، احتجاجات مساء أمي تنديدا بالاعتقال التعسفي لعبد المنعم المريمي، نجل شقيق أبوعجيلة المريمي.
وأقدم المحتجون على إغلاق طرق رئيسية في مدن تاجوراء وعين زارة وسيدي المصري والدهماني والسراج وراس حسن، وردد المتظاهرون في منطقة جزيرة النبراس بسيدي المصري، هتافات تطالب بإسقاط حكومة الوحدة الوطنية، محملين إياها مسؤولية وفاة المريمي.
وطالب محتجون في ميدان الجزائر بفتح تحقيق فوري، بينما توجه عدد من المحتجين إلى مكتب النائب العام، مطالبين باتخاذ إجراءات قضائية ضد رئيس الحكومة.
وفي مدينة الزاوية أغلق محتجون الطريق الساحلي وأشعلوا إطارات السيارات، تعبيرا عن غضبهم من الملابسات المحيطة بوفاة المريمي، وتعهد المحتجون بمواصلة التصعيد إلى حين محاسبة المسؤولين.
جريمة غامضة بشعة
من جانبه وصف المجلس الاجتماعي سوق الجمعة والنواحي الأربع “مقتل الشاب عبد المنعم المريمي، بأنه جريمة غامضة وبشعة هزت ضمير المجتمع”، معتبرا “هذه الجريمة شكلاً من أشكال الإرهاب الممنهج لتكميم الأصوات الحرة وإرهاب الشارع”.
وحمّل المجلس المسؤولية الكاملة للجهات الضابطة التابعة للحكومة في ما يتعلق بطريقة القبض على الفقيد واحتجازه، وما آلت إليه الأمور من نتائج مأساوية، مطالبًا الجهات المختصة باتخاذ الإجراءات اللازمة لمحاسبة كل من تورط في هذه الجريمة، وتقديمهم للعدالة، كما أكد استمرار حراكهم السلمي دفاعًا عن الوطن وحقوق المواطن.
حدث جلل لا يمكن تجاوزه
وعلى الصعيد الحقوقي طالبت المنظمة الليبية لحقوق الإنسان النائب العام بشرح تفاصيل ظروف وفاة المريمي مع نشر تسجيلات كاميرات المراقبة للرأي العام، مبينة أن وفاة المريمي في مبنى أمني، وبعد ساعات من استجوابه وإعلان الإفراج عنه، تمثل حدثًا جللًا لا يمكن تجاوزه أو تبريره بتصريحات مبهمة أو روايات متضاربة.
وانتقدت المنظمة البيان الصادر عن النيابة العامة، والذي اكتفى بالإشارة إلى محاولة قفز أدّت إلى إصابة، دون توضيحٍ دقيق للحالة الصحية، أو تأكيد الوفاة في حينها، أو إصدار بيان لاحق يشرح سبب الوفاة وتوقيتها وموقعها بالتحديد.
واعتبرت المنظمة أن وفاة مواطن داخل أو عقب وجوده في عهدة جهة أمنية يُحمّل الدولة مسؤولية كاملة في تقديم رواية مكتملة، مدعومة بالأدلة الطبية والتسجيلات، متسائلة إن كان المريمي قد تعرض لضغط نفسي أو جسدي أدى إلى سلوكه المفاجئ، وما إذا كانت ظروف احتجازه إنسانية وآمنة؟
وطالبت المنظمة بإصدار بيان رسمي فوري من النيابة العامة يشرح بالتفصيل ظروف وسبب الوفاة ونشر تسجيلات كاميرات المراقبة أمام الرأي العام وإجراء تحقيق مستقل وشفاف بإشراف جهة قضائية محايدة وإشراك منظمات حقوق الإنسان في متابعة التحقيقات والاطلاع على نتائجها وضمان عدم ترهيب الشهود أو التعتيم على الحقائق بأي وسيلة كانت.
نموذج ترهيب
من جانبه اعتبر المحلل السياسي حمد الخراز، الدبيبة يحاول تحويل حادثة عبد المنعم المريمي إلى نموذج لترهيب خصومه وتكميم الأفواه.
وأضاف أن “تنظيم الدبيبة الإجرامي لا يحترم حقوق الإنسان، ويستخدم الميليشيات وبعض المجموعات الأمنية مثل الأمن الداخلي في ترهيب الناس وتخويفهم، مؤكدا أن هذه الممارسات سوف تزيد الناس إصراراً على إسقاط الدبيبة وإخراجه من المشهد السياسي”.
أما المرشح لرئاسة الحكومة الموحدة، محمد المزوغي، فشدد على أن عبد المنعم شاهد جديد على استمرار نزيف الدم المطالب بعودة الدولة والعدالة والحياة الكريمة.
وطالب مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة والقيادات العسكرية والأمنية في كل ربوع ليبيا والأطراف الدولية المعنية بالأزمة الليبية باستعادة الوطن، وأكمل: “نحن اليوم نودّع عبد المنعم المريمي، وغدًا قد نودّع المزيد من شبابنا الأبرياء، المطالبين فقط بالتغيير الى الافضل والحياة بعزة وكرامة ما لم تتحملوا مسؤولياتكم تجاه شعبٍ لم يعد يحتمل المزيد من الفقد والألم”.
من جانب آخر تساءلت وكيلة وزارة العدل بالحكومة المؤقتة سابقا، في منشور لها على فيسبوك، عن سبب عدم إحالة النيابة العامة المريمي على الكشف الطبي لتبيان ما لحقه من اذي فترة اعتقاله لدى الامن الداخلي، وهل أثناء التحقيق كان المذكور في كامل وعيه ذهنيا أم وقع تحت ضغط نفسي جراء ما حدث معه أيام خطفه قبل تسليمه لنيابة العامة.
وانتقدت بانون التقرير الطبي الصادر عن الحالة، مؤكدة أنها لا يوضح شيء.
حقيقة موقف الحكومة
في المقابل قالت وكيلة وزارة الثقافة بحكومة الوحدة الوطنية، وداد الدويني، في منشور لها عقب الإعلان عن وفاة المريمي: “لا جاب عزّ، لا ستر، ولا حتى زاد في الحصاد… كأن البلاد تخلصت من عبءٍ ثقيل، ككيس وسخ.”
منشور وداد الدويني، أثار موجة واسعة من الجدل والغضب، قابلته عائلة المريمي والنشطاء بأنه إشارة مباشرة إلى الشماتة من الحادثة، كما وصفه كثيرون بأنه غير لائق من مسؤولة رسمية، ويمثل انحدارًا في مستوى الخطاب العام داخل مؤسسات الدولة.
ورغم أن الدويني عدلت منشورها بكلمات تتحدث عن “فوضى البلاد” و”معاناة المواطن وفقدان الأمان”، إلا أن نبرة التشفي في صدر المنشور طغت على الرسالة، حسب رأي النشطاء والمعلقين.
تحقيق شفاف مستقل
من جهة أخرى أعربت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا عن صدمتها وحزنها العميقين لوفاة الناشط عبد المنعم المريمي، حاثة السلطات على فتح تحقيق شفاف ومستقل في احتجازه التعسفي، وفي مزاعم تعرضه للتعذيب أثناء احتجازه، وكافة الظروف المحيطة بوفاته.
كما دانت البعثة التهديدات والمضايقات والاعتقالات التعسفية التي تستهدف الليبيين الناشطين سياسيًا، وتجدد دعوتها للسلطات كافة إلى احترام حرية التعبير ووصع حد للاعتقالات غير القانونية.
التقرير الطبي قبل الوفاة
وتضمن تقرير طبي رسمي صدر عن المصحة يشرح حالة عبدالمنعم المريمي قبل وفاته، أن المريمي يعاني من إصابات حرجة في الرأس والصدر والعمود الفقري، كما أنه يعاني نزيف دماغي بسمك 2.4 سم في الفص الجبهي الجداري الأيمن، إضافة إلى كسر في عظام جدار الجمجمة ونزيف من الأذن اليمنى والأنف، مؤكدا أن الحالة في غيبوبة تامة ومعدل وعي 3 من 15، علاوة على تفاوت في حجم حدقتي العين وانعدام الاستجابة العصبية .
وأكد التقرير أن الحالة على جهاز تنفس صناعي وفي حالة غير مستقرة دِمويًا، وخضعت لعملية تفريغ ضغط دماغي مع إزالة جزء من الجمجمة، مشيرا إلى إدخال عظمة الجمجمة إلى البطن للحفاظ عليها بعد الجراحة.
ولفت التقرير إلى أن الحالة تعاني كسور متعددة في الفقرات العنقية والصدرية من C7 إلى D9 ، ووجود استرواح صدري وأنبوبين صدريين في الجانبين، منبها إلى أن “احتمال الوفاة مرتفع” بناءً على المؤشرات.
النيابة العامة
وكانت النيابة العامة قد ذكرت في بيان لها أنها تسلّمت أوراق استدلال من جهاز الأمن الداخلي بشأن عبد المنعم المريمي، وقررت استجوابه رسميًا، إلا أن الحادثة وقعت بعد انتهاء التحقيق.
وأوضحت أنه أثناء انتظار عبد المنعم المريمي لحين إخطار ذويه بالحضور، قفز من الطابق العلوي عبر الفراغ بين الدرج، مما أدى إلى إصابات خطيرة تطلبت نقله إلى المستشفى، حيث فارق الحياة لاحقًا متأثرًا بتلك الإصابات.
يشار إلى أن مديرية أمن صرمان، أعلنت في وقت سابق من الأسبوع الجاري، أن المريمي تعرض للاختطاف على يد مسلحين مجهولين، وتم العثور على سيارته وبداخلها طفليه، بينما ظل مصيره مجهولًا حتى إعلان النيابة العامة عن نقله للمستشفى.
قضية المريمي أصبحت ترند منصات التواصل الإعلامي، التي استرجعت تاريخه النضالي ضد الفساد، وسطوع نجمه عندما دافع عن عمه المواطن أبو عجيلة الذي اختطف من بيته وتم تسليمه من قبل حكومة الوحدة الوطنية للولايات المتحدة الأمريكية.
المنصات أيضا استذكرت الرسوم الشهيرة “الحاج حمد” التي كانت تجمع العائلات الليبية على مائدة الإفطار الرمضانية، والتي كانت من فكرة وسيناريو وحوار المواطن والناشط عبدالمنعم المريمي. ما بين التقرير الطبي الذي لم يفي بالإجابات التي يطرحها الشارع حول سبب تصرف المريمي ومدى تعرضه لضغوط أو أنه في حالته الطبيعية، وبين موجة الاستياء والغضب الشديدة التي تجتاح الشارع، تبقى حادثة عبد المنعم المريمي بحاجة لمزيد من التحقيقات لكشف ملابساتها.