عوض الشاعري
قال له ذات حوار أدبي أنيق راقي عبد الرحمن سلامة .. القارئ يجد في كتابة قصصك روح الشعر ونفس الرواية ورغم تلون كتاباتك تنتحي للقصة وأنت الحكاء ككل أهل طبرق فجاءت ردود الشاعري على تساؤلات سلامة حكاية إبداع سردها بحب .. فجمعتها المنصة الليبية الإخبارية .. حكاية القاص والروائي عوض الشاعري مع الحكايا فكتب قائلا :
القصة والرواية والشعر هي فنون مختلفة ولكن عندما يمتلك الأديب أدواته سيلاحظ القارئ أن ثمة روحاً وحياة في السرد، وأنا دائماً تستهويني المفردة الحبلى بالمعنى وتفتنني جمالها وأحنو على مفرداتي لتكون جملاً تنبض بالحياة وتكون أكثر إغراءً، لذلك من يستمع إلى القصة أو يقرأها أو يبحر في الرواية المكونة من كلمات عذبة أخاذة سيصل إلى النشوة ولن يترك المكان حتى ينتهي من قراءة أو سماع النص، وأنا لدي أكثر من مخطوط روائي وحرصت أن يكون السرد الشعري حاضراً لتتحقق نشوة القراء لدى المتلقي ..
لا أحد ينسى ميلاد طفلته الأولى ، طقوس العتمة هذه المجموعة القصصية البكر، لا أنسى يوم ميلادها بعد أن عاشت مخاضاً عسيراً كغيرها من المؤلفات في تلك الفترة ، ولكن دون ترتيب وبكلمة من القيصر وجدتني أتلقى خبراً مفرحاً وحازماً ودقيقياً وسريعاً من صديقي وأخي قيصر الصحافة الليبية، الأديب والكاتب محمود البوسيفي، الذي كان يترأس مجلة «المؤتمر» وسألني هل تتمنى لـ«طقوس العتمة» أن تخرج إلى النور قلت له «حتماً سيجيء النور يوماً»، فقال لي ارسلها على بريدي الإلكتروني الآن، وفي اليوم التالي أخبرني بأن «طقوس العتمة» خرجت إلى النور. كان خبراً ساراً وحظيت باهتمام بالغ من الزملاء، «طقوس العتمة» ضمت عدة قصص لها في قلبي وقع خاص، هى ابنتي البكر.
والمطالع لكتاباتي الأولى سواء الشعرية أو في المقالة النقدية سيكتشف أن السرد والحكي والقص موجود بداخلها، فكتابة القصة هى قصة إبداع وحياة، وشخوصها كأني أعرفهم من زمن بعيد، والقصة عندي لا تنتهي، لا أستطيع أن أنهي قصصي، كل القصص التي كتبتها يطفن حولي ويزرنني في المنام، ويشاكسنني بين الحين والآخر لمعرفة الوقت الذي تحلقن فيه على دفتي كتاب، كنت أجيبهن بابتسامة أصحو بعدها على تحية صباحية من زوجتي التي تعرف أن ثمة عناقاً بيني وبين قصصي .
كلنا يجيد الحكي، نحن شعب حكاء، غير أن بعضنا وهبه الله تصفيف العبارات وجعلها تمسك مفردة بأخرى في تناغم جميل يسلب اللب ويصيبك سحره منذ الوهلة الأولى، والكتابة بالنسبة لي هى الروح والحياة والباب إلى عالم مدهش ترآى لي ذات مساء، كنت حينها صبياً قلقاً، تنتابني هواجس وخيالات وأحلام، وكانت جوانحي تضطرم بأحاسيس متباينة، بدأت بالنظر إلى الأشياء والتركيز فيها ثم تحولت تدريجياً إلى حالة من الشرود، ثم الضيق والاستسلام لحالة عجيبة أعتقد أنها بين الوعي واللاوعي، ربما تتعطل فيه بعض الحواس ظاهرياً لتنشط أكثر بطريقة سرية قد تكون في أروع تجلياتها، في تلك الفترة كنت لصيقاً بجدتي الحاجة فاطمة الشاعري – رحمها الله – وكنت أقرب أحفادها إليها، هناك على أعتاب الغربة، وكنا نتحلق في ليالي الشتاء حول مجمرة من الفخار ورثتها عن أمها الطاعنة في بداوتها، وكان الحكي ينساب من فمها كشلال وادي درنة عندما تتحدث عن مضارب أهلها ونجعها الذي ضاع ذات غزوة، فغرست جدتي أولى بذور الحكي وعشق الوطن في كيان ذلك الطفل الذي كنته آنذاك، ثم جاء دور والدي رحمه الله في توجيهي نحو عالم الكتاب والقراءة، حيث خصص لي مبلغاً من المال إضافة لمصروفي المدرسي وذلك لشراء ما يناسبني من الصحف ومجلات الأطفال، ومع الوقت أصبحت قارئاً نهماً، أقتني ما تقع عليه عيناي من كتب زهيدة الثمن في تلك الفترة، وقد كان لتلك الكتب الفضل في تكويني الثقافي أنا وأبناء جيلي، ثم تطورت عملية حبي للقراءة والاطلاع بفضل أحد معلمي المرحلة الإعدادية، الذي تنبأ لي بمستقبل بعد نجاحي في اختبار بمادة التعبير والإنشاء وبعد أن اطلع على خربشاتي الأولى، ونصحني بمراسلة إحدى الصحف التي فاجأتني بنشر محاولتي الأولى في مكان بارز من صفحة بريد القراء، ومن هنا كانت البداية إلى عالم السحر والإبداع.