تمر هذه الأيام ذكرى أول انتخابات شهدتها ليبيا منذ عام 2011، حيث أجريت في 2012 انتخابات أعضاء المؤتمر الوطني العام المائتين في انتخابات حرة ونزيهة وتحت إشراف الأمم المتحدة.
وفي 2014 شهدت ليبيا انتخابات مجلس النواب الليبي، ومن بعدها لم يتم تنظيم انتخابات أخرى على الرغم من الاستعدادات التي أجريت لتنظيم انتخابات في 2021، ولكن مفوضية الانتخابات أعلنت القوة القاهرة فتم تأجيلها إلى الآن، ولا يزال المشهد مبهم أمام تحديد موعد جديد لانتخابات مجلس النواب، وانتخاب الرئاسة.
من جانبه أكد الباحث مصطفى عبد الله أبو القاسم خشيم، في مقالة علمية نشرها في مجلة Sabrath University Scientific Journal أن الانتخابات الليبية تعكس الظروف البيئية المحيطة ببعديها الداخلي والخارجي وبعواملها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
وأضاف أن الايدولوجيا وطبيعة النظام السياسي والظروف الاقتصادية والاجتماعية كانت ومازالت تؤثر على مسار العملية الانتخابية في ليبيا منذ الاستقلال السياسي في منتصف القرن الماضي.
وأكد خشيم أن غياب أو ضعف النظام الحزبي مهد مثلا لبروز الانتماء القبلي والجهوي كبديل أو خيار للكثير من الناخبين في انتخابات 2012، 2013، 2014، كما أن الفراغ السياسي للسلطة في ليبيا زاد من التدخل الخارجي في العملية الانتخابية، ومثال ذلك الصراع الإيطالي الفرنسي بخصوص تحديد موعد انتخاب الرئيس ومجلس النواب.

سيناريوهات المستقبل
ولفت خشيم إلى أن مؤشرات المستقبل ترسم عدة سيناريوهات محتملة للانتخابات تتراوح ما بين التفاؤل والتشاؤم، وإذا كان السيناريو المعتدل يرجح استمرار الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية على ما هي عليه، فإن السيناريو المتشائم يغلب مكامن الضعف على نقاط القوة من ناحية، ويرجح زيادة التحديات وعدم الاستفادة من الفرص المتاحة للبيئية الخارجية من ناحية أخرى.
وأضاف: لكن السيناريو المتفائل يميل إلى غلبة إيجابيات الانتخابات الليبية على سلبياتها من ناحية، وتغلب ليبيا على تحديات الانتخابات والاستفادة من الفرص المتاحة ومساعدة المنظمات الدولية والإقليمية والبلدان الصديقة في هذا الشأن من ناحية أخرى.
دولة فاشلة
وعاد مصطفى خشيم للتأكيد على أن عدم نجاح العملية الديمقراطية والانتخابية قد يساهم في تحول ليبيا من دولة شبه فاشلة إلى دولة فاشلة بمعنى الكلمة، خاصة وأن خارطة طريق عملية التحول الديمقراطي والانتخابات في ليبيا الجديدة التي أشار اليها الإعلان الدستوري المؤقت لعام 2011 لم تسر حسب المخطط لها، حيث يتوقع استمرار المرحلة الانتقالية لسنوات قادمة.
وشدد على أن نجاح العملية الديمقراطية يعتبر أمرا مرهونا بوجود دستور دائم يحدد شكل النظام السياسي في ليبيا الجديدة، ويتم الاستفتاء عليه من قبل الناخبين في ليبيا كدائرة انتخابية واحدة، مضيفا أن الانتخابات تعكس الأيديولوجية المعتدلة التي يتسم بها معظم الشعب.
ونبه خشيم إلى أن الانتخابات تتسم بالطابع الرمزي العاطفي أكثر من البعد العقلاني القائم على اختيار قيادات وطنية لها برامج تؤسس بالفعل لبناء ليبيا كدولة مدنية ديمقراطية، لافتا إلى أن تأييد المجتمع الدولي وتقديمه للمساعدات اللازمة ساهم أيضا في نجاح أول انتخابات ليبية.
تحديات إجراء الانتخابات
من جهة أخرى أفاد الباحث بوحدة الدراسات العربية والإقليمية محمد فوزي، أن الطابع الصراعي الطاغي على التفاعلات أفرز مجموعة من السياقات والعوامل التي أعاقت بشكل كبير عملية إجراء الانتخابات.
وعدد فوزي أبرز التحديات التي تواجه عملية إجراء الانتخابات في: أزمة ازدواجية السلطة، عدم القدرة على تشكيل حكومة وحدة وطنية، تحديات لوجستية تواجه المفوضية العليا للانتخابات، استمرار بعض الإشكالات القانونية، التحديات الأمنية وانعكاساتها على إجراء الانتخابات، التداعيات السلبية للتدخلات الخارجية، إضافة إلى فشل جهود البعثات الأممية.

سيناريوهات ملف الانتخابات
أمام هذه التحديات توقع فوزي ثلاثة سيناريوهات لملف الانتخابات، أولها استمرار الوضع على ما هو عليه، من حيث إرجاء الانتخابات الليبية إلى أجل غير مسمى، وتتمثل خطورة هذا السيناريو، في أنه يمهد لتداعيات سلبية على كافة المستويات السياسية والأمنية والاقتصادية، جنباً إلى جنب مع كونه يمثل تمهيداً لعودة الأراضي إلى دائرة الحرب مرة أخرى.
أما السيناريو الثاني فيتمثل في حدوث انفراجة تمهد لإجراء الانتخابات، خصوصاً مع وجود القاعدة الدستورية، إلى جانب وجود رغبة دولية وإقليمية في إنجاز هذا الاستحقاق، بالإضافة إلى المؤشرات المرتبطة بوجود حراك يرمي إلى خلق حكومة وحدة وطنية جديدة.
ويفترض السيناريو الثالث إجراء الانتخابات في ظل الوضع الحالي ويفترض هذا السيناريو إجراء الانتخابات في ظل هذا الوضع الذي تتواجد فيه حكومتان في شرق وغرب ليبيا، وفي ظل الوضع الميليشياوي القائم حالياً، وتفترض الرؤى التي تطرح هذا السيناريو أن الانتخابات سوف تكون مفتاحاً لإنهاء حالة الانقسام الحالية، لكن هذا السيناريو يواجه العديد من الإشكالات اللوجستية والفنية والسياسية.
ويذهب آخرون إلى إمكانية نجاح البعثة الأممية في تحديد أحد المسارات التي أفرزتها اللجنة الاستشارية وتنفيذها والوصول بها إلى مرحلة إجراء الانتخابات.
ما بين مرور ذكرى أول انتخابات في ليبيا بعد الثورة، وبين التحديات التي تشهدها البلاد لإجراء هذا الاستحقاق مرة أخرى، يقف الشعب شاهدا على التحديات التي تواجه للوصول إلى أهدافه وحقوقه الطبيعية الذي خاض الثورة لأجلها.