في حادثة مفجعة تعكس حجم التحديات الصحية التي تواجه مناطق الجنوب الليبي، توفي الطفل “عبدالله أبوبكر سعيد”، أحد طلاب مركز تحفيظ القرآن الكريم “أبوبكر الصديق” بمدينة أوباري، نتيجة تعرضه للدغة عقرب سامة، في ظل ارتفاع درجات الحرارة وغياب المصل المضاد في المرافق الصحية القريبة.
ورغم محاولات إسعافه لساعات، لم يتمكن الأطباء من إنقاذ حياته بسبب تأخر توفر المصل اللازم، مما فجّر موجة من الغضب الشعبي والاستياء من تكرار هذه المآسي التي كان بالإمكان تفاديها.
وودّعت المدينة الطفل النجيب بقلوب يعتصرها الألم، في وقت يرى فيه سكان أوباري أن هذه الوفاة ليست مجرد فاجعة فردية، بل جزء من مأساة متكررة تكشف عمق الخلل في الرعاية الصحية والاستجابة البيئية.
وأكدت مديرة مجمع العيادات في مستشفى أوباري، الممرضة خديجة العنديدي، في تصريح لشبكة لام، وفاة طفلين خلال أقل من 48 ساعة، إضافة إلى استقبال حالة حرجة لطفلة أخرى بسبب لدغات العقارب، محذرة من أن المستشفى يعمل بإمكانيات متواضعة، ولا يمتلك مخزونًا كافيًا من الأمصال المنقذة.
وأشارت العنديدي إلى أن بعض الأطفال يتعرضون للدغ داخل منازلهم، وهو ما حدث في إحدى الحالات التي تلقّتها العيادة، حيث لُدغ طفل بينما كان على كتف والدته، ما يعكس مدى استفحال الخطر حتى داخل البيوت.
وفي السياق ذاته، استقبل مستشفى الغريفة القروي حالة طارئة لطفلة سورية الجنسية تعرضت للدغة عقرب سامة، وتم تزويدها بمصل العقرب وتحويلها لاحقًا إلى مركز سبها الطبي لاستكمال العلاج.
وتعيش أحياء أوباري، في ظروف بيئية متدهورة بسبب تراكم القمامة وتسرّب مياه الصرف الصحي، ما وفّر بيئة مثالية لتكاثر الحشرات والعقارب. وأكدت مصادر محلية أن الجهات المختصة لم تنفّذ حتى الآن أي حملات لرش المبيدات أو مكافحة الآفات، رغم المناشدات المستمرة.
الناشط البيئي فرج السنوسي، انتقد للعربية نت ما وصفه بالإهمال المزمن من السلطات تجاه مناطق الجنوب، قائلًا: “لدغات العقارب أصبحت واقعًا يوميًا في الجنوب. هناك تقصير واضح في حملات النظافة والرش، خاصة في ظل درجات الحرارة المرتفعة، وهذا الإهمال يهدد حياة آلاف المواطنين”.
في الوقت الذي تؤكد فيه مصادر طبية وقوع وفيات متكررة ونقصًا حادًا في الأمصال، صرّح عميد بلدية أوباري أحمد ماتكو بأن “الأمصال المضادة للدغات العقارب متوفرة بكميات جيدة داخل المدينة، ولم تُسجّل أي حالات حتى الآن”، مؤكدًا في الوقت نفسه وجود مشروع قيد التفاوض مع شركة نفطية لإنشاء مصنع محلي لإنتاج الأمصال، من المقرر أن تزور موقعه الأسبوع المقبل.
هذا التضارب في التصريحات يزيد من حيرة السكان، الذين يرون أن غياب الشفافية والتنسيق بين الجهات الرسمية والطبية يسهم في تعميق الأزمة، بدلًا من معالجتها.
أطلق أطباء وناشطون في جنوب ليبيا عبر حسباتهم على منصتي فيسبوك وتويتر، من سبها إلى أوباري والكفرة، صرخة فزع إلى وزارة الصحة والسلطات العليا، مطالبين بتوفير الأمصال في جميع المراكز الصحية، والبدء بحملات نظافة شاملة، وتفعيل برامج توعية حول سبل الوقاية من العقارب.
ويُذكر أن مناطق الجنوب تسجل سنويًا عشرات الإصابات بلدغات العقارب، تصل في الكفرة وحدها إلى 10 إصابات يوميًا، وفقًا لما كشفه الدكتور عثمان التائب، مدير معمل العقارب بمركز طب المناطق الحارة في المدينة، الذي حذّر من وجود أخطر أنواع العقارب في بيئة الكفرة، ومعظم ضحايا اللدغات من الأطفال.
ما يؤكد أن أزمة لدغات العقارب في الجنوب الليبي لم تعد مجرد حوادث موسمية، بل أصبحت قضية صحية وإنسانية تتطلب تدخلًا عاجلًا ومنسقًا من الدولة بكامل مؤسساتها، لتفادي تكرار المآسي وحماية حياة الأبرياء، خاصة الأطفال، الذين يُدفعون ثمن الإهمال المتواصل في صمت.