جمعة الفاخري
يقول الشتَّاي:
” جِيتي حَيْطَة في مِقْلَاعَهْ .. بَيَّنْ فيكْ عزيزْ اذراعَهْ “
هذه الشتَّاوة الرائعة، الجميلة المعنى، البارعة النسج، المدهشة تشخيصًا وترميزًا، تقطرُ أسًى وخيبةً، فالحبيبُ ( العزيز ) يُلقي بالحُبِّ عُرْضَ النِّسيَانِ، بل بالحبيبِ نفسِهِ، والضحيَّةُ العينُ العاشقةُ.
والعينُ في ( صوب خليل ) رمزٌ للذاتِ العاشقةِ حينًا، وأخرى رمزٌ للجنوحِ والمروقِ والاندفاعِ بلا رويَّةٍ ..
المعنى الذي لا يختفي في التفاصيلِ كثيرًا أنَّ العينَ/ العاشقةَ بعدَ أن هجرَهَا الحبيبُ صارت حجرًا مرميًّا بعيدًا، ملقيًّا في جُبِّ النِّسيانِ، منسيًّا في تضاعيفِ التَّجاهلِ والإهمالِ.
الحيطةُ المرميَّةُ – غالبًا – ما يُرمى بها هدفٌ ما .. بينما هنا غدَتِ الحيطةُ هي العينَ العاشقةَ، لتصبحَ راميةً مرميَّةً..
أما الذِّراعُ، الأداةُ المستعملةُ للرَّمي، فهي جزءٌ أصيلٌ منَ اليدِ الرَّاميَةِ، وهذا من بابِ التعبيرِ بالجزءِ عنِ الكلِّ، كأن نقولُ: طلبَ فلانٌ يدَ فلانةٍ، وهو في الحقيقة يطلبُها كلَّها لا يدَهَا فحسبُ.
وقد استخدمَ الشتَّاي ( المقلاع ) ليُبَيِّنَ شساعةَ المسافَةِ المرميِّ نحوَها الحبيبُ المغدورُ بهِ، كنايةً عنِ الابتعادِ والهجرانِ والجفاءِ، فما يُرْمَى هو المُهْمَلُ الذي لا نفعَ منه ولا فائدةَ.
والرَّميُ البعيدُ بآلةٍ هي ( المقلاع ) تبرزُ الرَّغبَةَ الشَّديدَةَ لدى الحبيبِ الهاجر في التَّخلُّصِ من المرميِّ بإبعادِهِ إلى أقصى مسافةٍ ممكنَةٍ.
ونتيجةُ هذهِ الرَّميةِ العنيفةِ المؤسفةِ، الرَّميةِ الغادرةِ، ( بَيَّنْ فيكْ عزيزْ اذراعَهْ ) إنَّ الحبيبَ قد أظهرَ عنفَهُ، فأدارَ ظهرَهُ للحُبِّ، فالذراعُ التي كانَت أداةً للضمِّ والاحتضانِ أمسَتْ أداةً للرَّمي والتَّباعُدِ والتَّنَصُّلِ منَ الحبيبِ.
فلا عجبَ أن تقفَ العينُ المغدورةُ تعضُّ أصابعَ الحسرةِ ندمًا وهي تقرِّعُ نفسَهَا بهذهِ الشتّاوَةِ الذَّارَفَةِ ألمًا وعذابًا وتحسُّرَا :
جِيتي حَيْطَة في مِقْلَاعَهْ .. بَيَّنْ فيكْ عزيزْ اذراعَهْ.
___________________
ملحوظة للكاتب يقول : لم أتوصَّل لمعرفة قائل هذه الشتَّاوة العبقريَّة.
