الناير اليعقوبي
لا شيء في ليبيا يوقد نار الغضب كما تفعل الكهرباء، لأنها مرآة تعكس اختلال الدولة في أكثر تجلياته إيلامًا ومرارة.
أن تُنفق حكومة الوحدة الوطنية أموالًا طائلة دون أن تُخفف حمل “الأحمال” عن ظهور مواطنيها، فهذا إعلان صريح عن تواطؤ تحت الطاولة.
ثمانية عشر مليار دينار ليبي، ومليارا دولار، صُرفت على قطاع الكهرباء من يناير 2023 إلى يونيو 2025، وفق أرقام موثقة، لا كلمات ملفقة.
نفقات خيالية خلال عامين ونصف، لم ترفع كفاءة الإنتاج، ولم تُنجز استقرارًا في الشبكة، بل طالت فترات الانقطاع وتآكلت ثقة المواطن في الشركة.
وما يُفاقم الأزمة أن مليارات “الكهرباء” بُددت دون آلية تتبّع شفافة، أو عرض دوري للمصروفات، أو حتى توثيق لما تم إنجازه على الأرض.
تقرير لجنة خبراء الأمم المتحدة لعام 2024 قالها بالألف واللام: إدارة “المشاي” تتّسم بخطر تحويل وجهة الوقود المدعوم، وأن عقود واردات المعدات وخدمات الصيانة – عمدًا – خارج نطاق تدقيق السلطات الليبية المعنية!!!
قطاع الكهرباء يستهلك أكثر من ثلث إنتاج الغاز المحلي، ومحطة أوباري وحدها تلتهم 19 ألف برميل نفط خام يوميًّا لتشغيلها.
يحدث هذا، وليبيا تملك سطوعًا شمسيًّا استثنائيًّا (من 3000 إلى 3500 ساعة سنويًا)، يكفي لتغذية شمال إفريقيا بطاقة نظيفة، لو استُغِل بشكل متطور، وببنية تحتية شاملة تليق بالمشروع الاستراتيجي.
حكومة طرابلس، وما جاورها من مدن، تُمعن في استنزاف المال العام على مشروعات “ترقيع”، وتراها خيرًا وأجدى من رؤية جذرية تُوصِد بالترباس باب السوس. ولها في هذا مقصدٌ غير الوطن والمواطن!
وبعد…
إمّا أن يُعاد بناء منظومة الكهرباء من أساسها: تشريعات نافذة، هيكلة للقطاع، طاقة بديلة، رقابة حازمة، محاسبة صارمة… فهذا وحده ما يُقوِّم الاعوجاج ويرتقي بالإنتاج.
وإما أن تُواصل الحكومة غيّها في ذات النفق، وليتجرّع الشعب سُمّ أحمالها بنكهة “عودة الحياة”، ويظل المواطن يدفع الفاتورة مرتين: مرة من جيبه، وأخرى من ريقه.
