في اتهام مبطن بالتقصير.. تساءلت الهيئة الوطنية لخدمات نقل الدم، عن سبب قلة عدد النساء اللاتي يتبرعن بالدم، معلنة عن إطلاق استبيانا وصفته بأنه “دراسة وطنية لفهم أسباب العزوف عن التبرع بالدم بين النساء الليبيات”.
وتمحورت تساؤلات الاستبيان الذي أطلق على صفحتها على فيسبوك، حول: “هل تواجهين صعوبات؟ هل لديك مخاوف؟ هل مررتِ بتجربة؟ أو ببساطة… لم تُفكري بالأمر من قبل؟”
فقر الدم
الدراسة التي أطلقتها الهيئة لاقت اهتماما من المتابعين على منصة فيسبوك، فألحقت الهيئة منشورها بتعليقات للرد على المتابعين حيث أكدت صحة معاناة نسبة من النساء من فقر الدم، إلا أن هذا لا ينطبق على الجميع، مشيرة إلى أن التبرع بالدم لا يتم إلا بعد إجراء كشف وتحليل بسيط يطمئن المتبرعة على صحتها، ويحدد إذا كانت جاهزة للتبرع أو تحتاج فقط تعديل في التغذية، مضيفة أن كثير من النساء اكتشفن فقر الدم لأول مرة بسبب فحص التبرع، وبدأن مرحلة العلاج في الوقت المناسب.
وتأكيدًا لاتهام الهيئة للنساء بالتقصير في التبرع بالدم، قالت الهيئة في تعليق أخر على المنشور ذاته “رغم أن النساء يمثلن نصف المجتمع، إلا أن مشاركتهن في التبرع بالدم ما تزال دون المستوى في العديد من الدول، بما في ذلك ليبيا، وتعود هذه الفجوة الكبيرة إلى مجموعة من المفاهيم الخاطئة والمعلومات غير الدقيقة، التي حرمت المجتمع من مورد إنساني ثمين يمكن أن ينقذ آلاف الأرواح”.
ولفتت الهيئة الى الإجابات على أسباب عدم تبرع النساء، بأنها تتمثل في: “المرأة دائماً ناقصة دم بسبب الدورة الشهرية”، “الحمل يسبب فقر دم مزمن”، “أغلب النساء عندهن مشاكل في الغدة الدرقية”، “مصرف الدم ما يقبلش تبرع النساء”.

الدورة الشهرية
وفندت الهيئة هذه الردود مستندة على منظور علمي وإنساني وتسويقي توعوي تضمن: أن الدورة الشهرية لا تمنع التبرع بالدم، حيث أن الدم المفقود أثناء الدورة الشهرية (حوالي 30–80 مل فقط) لا يُقارن بكمية الدم التي يحتفظ بها الجسم، معظم النساء الأصحاء لديهن مستوى هيموغلوبين طبيعي، والجسم قادر على تعويض الدم المفقود سريعًا، لا يتم السماح بالتبرع إلا بعد فحص نسبة الهيموغلوبين والتأكد من مطابقتها للمعايير الصحية (عادةً ≥ 12.5 غ/ديسيلتر للنساء).
وأكدت الهيئة أن منظمة الصحة العالمية لا تمنع التبرع أثناء الدورة الشهرية، شرط أن تكون المتبرعة في حالة صحية جيدة.
الحمل
أما بالنسبة للحمل فلا يعني عجز دائم عن التبرع، فقد يمنع الحمل التبرع مؤقتًا فقط، وينصح بالتبرع بعد الولادة بـ 6 أشهر أو أكثر حسب صحة المرأة، وبعد فترة التعافي والرضاعة، تستعيد المرأة كامل طاقتها وتعود مؤهلة للتبرع مثل أي شخص بالغ سليم، مشيرة إلى أن المعيار المعتمد يؤكد عدم قبول التبرع أثناء الحمل أو خلال 6 أشهر بعد الولادة حفاظًا على صحة الأم، ولكن بعدها يمكن التبرع بانتظام إن كانت نتائج الفحوصات طبيعية.
أمراض الغدة
وفيما يخص أمراض الغدة فلا تعني منع دائم للتبرع، حيث أن بعض أمراض الغدة الدرقية (مثل خمول الغدة) لا تمنع التبرع ما دامت المتبرعة تحت العلاج ومستقرة صحيًا، ولا يُقبل التبرع فقط في حالة النشاط الحاد أو غير المتحكم به للغدة.
وجددت الهيئة التأكيد على أنه لا يوجد منع رسمي لتبرع النساء في مصارف الدم في ليبيا أو غيرها.
وأكدت الهيئة ضرورة إعادة الثقة وكسر المفاهيم المغلوطة بشأن تبرع النساء بالدم، وذلك من خلال التوعية المستمرة من خلال حملات موجهة للنساء بلغة بسيطة وعلمية، تدريب الطاقم الطبي في مصارف الدم على استقبال المتبرعات وتعزيز التجربة الإيجابية، إشراك الإعلام والمؤثرين والمجتمع المدني في تسويق فكرة “المرأة المُنقذة”، إضافة إلى تخصيص مواعيد وتسهيلات للنساء المتبرعات (مثل أوقات خاصة أو عربات تبرع متنقلة في الجامعات والأسواق).
ردود أفعال
في المقابل كان للعشرات النساء العديد من الردود حيث قالت فاطمة الرتيل التي تعمل في معمل تحاليل، أنها لاحظت من خلال عملها قيام أغلب الأطباء برفض تبرع النساء حتى سادت الفكرة لدى الأغلبية.
هذا الرأي دعمته زينب المنير التي قالت أنها توجهت لعدة أماكن للتبرع إلا أنهم يرفضون تبرعها، مضيفة أن آخر مرة ذهبت إلى مصحة في غوط الشعّال لحالة تحتاج لفصيلة دمها – o ، لكنهم في المختبر ردوا عليها “تبي تجينا الشرطة” ومع ذلك أصرت وقالت سيكون ذلك على مسؤوليتها الشخصية إلا أنهم أصروا على موقفهم حتى ظنت أن تبرعها بالدم أصبح جريمة.
وقالت ابريكة المسماري إن أغلب النساء يلتزمن بدواء يمنع التبرع وهو بديل هورموني للغدة أو أنسولين أو أنها خضعت لجراحة قيصرية خلال فترة قريبة، أو نقل لها دم أو حامل أو أم مرضعة، وغيرها من الأسباب، لذلك تكون نسبة الدم لدى أغلبهن 8 – 9، مشيرة إلى أن فكرة التبرع الطوعي للنساء غير مناسبة.
أما أم لجين فقالت إن العاملين في مصرف الدم يرفضون أخذ تبرع منها بمجرد معرفة أنها مريضة غدة، على الرغم من أنه يمكن للمريض التبرع إذا لم يكن لديه أجسام مضادة.
وأشارت غالبية النساء اللاتي علقن بأنهن يعانين من فقر الدم.
نتائج مركز ألماني
تجدر الإشارة إلى أن ضعف تبرع السيدات بالدم لا تشهده ليبيا وحدها بل أنه ظاهرة عالمية، حيث أكد المركز الاتحادي للتوعية الصحية بألمانيا أن 56% من الرجال تبرعوا بالدم مرة واحدة على الأقل على مدار حياتهم، بينما تقل هذه النسبة إلى 42% عند النساء، وذلك حسب دراسة أجريت في 2016.
وأرجعت المتحدثة باسم المركز ماريتا فولكر-ألبرت، سبب ارتفاع نسبة المتبرعين الرجال، إلى أنه يسمح للرجال بالتبرع بالدم ست مرات في غضون 12 شهرا، بينما يقل المعدل المسموح به للنساء خلال المدة ذاتها إلى أربع مرات فقط، موضحة أن التبرع بالدم يتسبب في نقص محتوى الحديد بالدم، ويستغرق الأمر نحو شهرين إلى أن يتم تعويض ما فقده الجسم، في حين تزداد هذه المدة لدى النساء بعض الشيء بسبب الحيض، لذلك يسمح لهن بالتبرع بالدم بمعدل أقل من الرجال.
وأضافت فولكر-ألبرت أنه يسري غالبا على النساء معايير الاستبعاد من التبرع بالدم على نحو أكثر من الرجال، ويندرج ضمن هذه المعايير مثلا نقص عنصر الحديد بالجسم والحمل، حيث إنه ليس مسموحا للمرأة التبرع بالدم طوال فترة الحمل وبعدها بستة أشهر، وكذلك طوال فترة الرضاعة.

دراسة في الأردن
وفي الأردن أيضا أفاد مدير مديرية بنك الدم المكلف في وزارة الصحة الأردني كريم يرفاس، في 2011 أن “ثقافة العيب” في المجتمع ما تزال تحد من تبرع المرأة بدمها.
وهذا ما أكدته، دراسة أعدتها المديرية على عينة عشوائية لمتبرعين قوامها 821 متبرعا متطوعا لدى بنوك الدم الأردنية، أن 91 % من النساء الأردنيات لم يتبرعن بدمائهن في الحملات العادية، بينما تتراجع هذه النسبة في الحملات المنظمة داخل الجامعات لتصل الى 76 %.
وأشارت الدراسة ذاتها، إلى أن نسبة المتبرعين من الذكور في الجامعة الألمانية الأردنية بعمان تصل إلى 76 % و24 % للإناث، بيد أن نسبة المتبرعين من الذكور في جامعة الزيتونة على طريق المطار، ترتفع مقارنة مع الألمانية لتصل إلى 81 % و19 % للإناث.
يأتي ذلك على الرغم من أن الأردن يعتبر من الدول المتقدمة، بحسب التصنيفات العالمية، حيث بلغت نسبة المتبرعين بالدم 3.2 % من عدد السكان بما يغطي الاحتياجات المطلوبة وضمن النسب العالمية التي تتراوح بين 3 – 5 %، وذلك حسب تصريح يرفاس الذي أشار إلى أن بنك الدم يجمع سنويا 182 ألف وحدة دم.
ثقافة المجتمع
ثقافة المجتمع التي أثارتها الدراسة الأردنية، هي ذاتها أيضا موجودة في ليبيا، حيث أن مصرف الدم المركزي المرج أن النساء المتبرعات بالدم أقل بكثير من المتبرعين، وذلك بسبب ثقافة النساء السائدة بأن التبرع بالدم يضر بصحة المرأة.
ما بين تأكيد عشرات السيدات مساعيهن المتكررة للتبرع بالدم والتي قوبلت بالرفض من الجهات المعنية، وبين ثقافة المجتمع وتدهور صحة النساء مقارنة بالرجال، لازالت الحاجة لتوعية أكبر لا تقتصر على مجتمع السيدات، بل تشمل المرافق الطبية ومراكز تلقي التبرع بالدم.