قال الخبير المالي الدولي ومؤسس شركة جي بي جي للاستشارات، جونيور إم بي يو آي، إن انسحاب البنوك الفرنسية تدريجيًا من القارة الأفريقية ليس مجرد إعادة تموضع استراتيجي، بل مؤشر واضح على عالم متعدد الأقطاب يعيد تشكيل نفسه، حيث تتراجع القوى الغربية وتفسح المجال أمام صعود لاعبين جدد مثل الصين والمؤسسات المالية الأفريقية.
وأضاف الخبير في تحليل شامل، أن هذا الانسحاب الذي بدأ منذ عام 2023، وتمثل في خروج بنوك كبرى مثل “سوسيتيه جنرال” و”بي إن بي باريبا” و”كريدي أجريكول”، يكشف عن توجه غربي للتركيز على أسواق أكثر نضجًا وربحية، على حساب أسواق أفريقية ذات إمكانات نمو عالية.
وأشار إلى أن هذه الخطوة مدفوعة بعدة عوامل، منها ضعف هوامش الربح، وارتفاع المخاطر السياسية والمالية، واشتداد معايير الامتثال الدولية، لكن آثارها تتجاوز الحسابات المحاسبية، حيث تضعف الأنظمة المصرفية الأفريقية وتحدّ من تمويل الشركات الصغيرة والمتوسطة وتقلّص شبكات المراسلة البنكية.
ورغم أن أقل من 45% من سكان القارة يملكون حسابات مصرفية، وما يقرب من 70% من المعاملات لا تزال نقدية، إلا أن البنوك الغربية تتخلى عن سوق واعدة تتميز بشبابها المتصل والمتطلب ماليًا، ما يطرح سؤالًا محوريًا: من سيموّل أفريقيا مستقبلًا؟
وأوضح الخبير أن هذا الانسحاب يُعيد تشكيل الخارطة الجيومالية للتمويل، حيث تتقدم الصين بقوة عبر بنوكها الكبرى ومؤسساتها التنموية، إلى جانب صعود مؤسسات مالية أفريقية مثل بنك “فيستا”، و”كوريس”، و”التجاري وفا بنك”، و”أكسس بنك”، و”إيكوبنك”، و”UBA”، و”BGFI”، وجميعها تمتلك فهمًا أعمق للسياق المحلي، ومرونة تكنولوجية، ورؤية أفريقية خالصة.
ودعا إم بي يو آي إلى اغتنام هذه اللحظة لبناء سيادة مالية أفريقية حقيقية عبر ثلاث ركائز رئيسية: الابتكار الرقمي (من خلال تسريع حلول التكنولوجيا المالية المحلية)، وتعزيز المصارف الإقليمية، وتفعيل دور الدول في وضع أطر تنظيمية فعالة وضمانات ائتمانية وأدوات تمويل موجهة نحو الشركات الناشئة والصغرى.
وختم الخبير بالقول إن اللحظة الراهنة تفرض على الأفارقة التوقف عن انتظار تمويل من الخارج، والبدء بكتابة قواعد اللعبة المالية بأنفسهم، معتبرًا أن انسحاب البنوك الفرنسية ليس خسارة بل تنبيهًا استراتيجيًا ضروريًا لبناء استقلال مصرفي شامل.
