مع تطور المشهد الاقتصادي في إفريقيا، تمكنت عدة دول من الحفاظ على معدلات بطالة رسمية تعد من الأدنى عالميًا. ففي عام 2025، أبلغت دول مثل النيجر، وبوروندي، وتشاد عن معدلات بطالة تقل عن 1%، حيث يستوعب قطاعا الزراعة وتربية المواشي والموارد الطبيعية الغالبية العظمى من القوى العاملة فيها.
هذه المعدلات المنخفضة لا تعود فقط إلى توسع الصناعات، بل ترتكز بعمق على هياكل اقتصادية تقوم على الزراعة الكفاف، والتعدين الحرفي، والتجارة عبر الحدود، التي تشكل العمود الفقري لكسب المعيشة اليومية. على سبيل المثال، تساهم صناعة الكاكاو في كوت ديفوار والتجارة المينائية الاستراتيجية في توغو في توفير آلاف الوظائف المباشرة وغير المباشرة. في الوقت ذاته، تخلق المتنزهات الصناعية والمشاريع البنية التحتية في إثيوبيا فرص عمل رسمية لشبابها المتزايد.
وفقًا للبنك الإفريقي للتنمية، من المتوقع أن يتوسع سوق العمل في أفريقيا جنوب الصحراء بأكثر من 20 مليون شخص سنويًا خلال العقد المقبل. وفي البلدان التي تمتلك معدلات بطالة منخفضة، يتم التعامل مع هذا النمو من خلال مزيج من تحديث الزراعة، وتطوير البنية التحتية، والتدريب المهني المستهدف.
واستعرض تقرير دولي استند إلى بيانات البنك الإفريقي للتنمية رصدته المنصة، لأفضل 10 دول أفريقية بأدنى معدلات بطالة في عام 2025، مع تحليل للقطاعات الصناعية وأنماط التجارة وديناميكيات العمل التي تدعم صمود اقتصادياتها.
النيجر
تتصدر النيجر القائمة بأدنى معدل بطالة في إفريقيا بنسبة 0.4%. يعتمد اقتصادها على الزراعة وتربية المواشي، مع نمو في قطاع النفط وتجارة المواشي، إضافة إلى مشاريع تنموية في الري والوصول إلى الأسواق.
بوروندي
تتمتع بوروندي بمعدل بطالة منخفض يصل إلى 0.93%، مع اقتصاد قائم على الزراعة الموسمية مثل القهوة والشاي، وتطوير البنية التحتية التي تخلق فرص عمل في البناء والتصنيع الصغير.
تشاد
معدل البطالة في تشاد حوالي 1.1%، ويستند اقتصادها إلى تربية المواشي والزراعة التقليدية، مع دعم النفط وصناعات تجهيز الأغذية والنسيج التي توفر فرص عمل رسمية.
توغو
تبلغ نسبة البطالة في توغو 1.9%، حيث يشكل الزراعة والتجارة واللوجستيات ركائز الاقتصاد، مع ميناء استراتيجي يدعم التجارة الإقليمية وفرص العمل في التصنيع والبناء.
سيشيل
تحافظ سيشيل على معدل بطالة حوالي 2% بفضل قطاع السياحة المزدهر وصيد الأسماك، مع استثمارات في التدريب المهني لضمان توفر العمالة الماهرة.
كوت ديفوار
معدل البطالة في كوت ديفوار يبلغ 2.3%، ويعتمد الاقتصاد على إنتاج الكاكاو والقهوة، مع تنمية حضرية نشطة وفرص في البناء والصناعات التحويلية والبنية التحتية.
غينيا بيساو
تتمتع بمعدل بطالة 2.6%، مع اقتصاد يعتمد على زراعة الكاجو، الصيد، والتجارة الصغيرة، بالإضافة إلى تطوير الموانئ والصناعات الغذائية الريفية.
ليبيريا
معدل البطالة حوالي 2.9%، مع اقتصاد قائم على الزراعة، التعدين، والخدمات في العاصمة، مع تحسن في البنية التحتية وفرص العمل في النقل والبناء.
سيراليون
تبلغ نسبة البطالة 3.1%، بدعم من الزراعة، التعدين، والتجارة، مع استثمارات في الطاقة المحلية وقطاعات الحضر المتنوعة.
إثيوبيا
يبلغ معدل البطالة حوالي 3.5%، ويعتمد الاقتصاد على الزراعة الواسعة والتصنيع المتنامي، مع استثمارات في البنية التحتية وبرامج تدريب مهني للشباب.
في المقابل وحسب تقارير رصدتها المنصة لمنظمة العمل الدولية (ILO) الخاصة بسوق العمل في الدول العربية والإفريقية، تسجل الدول العربية الإفريقية معدلات بطالة مرتفعة نسبيًا مقارنة بهذه الدول، إذ تتراوح بين 10% و18%، مع تسجيل تونس أعلى معدل بطالة بنحو 15.7% في الربع الأول من 2025، الجزائر تسجل معدل بطالة يقارب 11.8%، مدعومًا بمبادرات في قطاعات الطاقة المتجددة والبحث العلمي، فيما تسجل موريتانيا نسبة بطالة تبلغ نحو 10.4% مع توقعات بارتفاع طفيف.
أما ليبيا التي تبلغ بطالتها حوالي 18.6% في 2024 مع توقعات بانخفاضها تدريجيًا. تواجه ليبيا تحديات حادة على صعيد سوق العمل، حيث سجلت نسبة بطالة مرتفعة بلغت حوالي 18.6% عام 2024، مع توقعات بانخفاض طفيف إلى 15.5% بنهاية 2025.
تعتمد هذه المعدلات المرتفعة إلى عوامل عدة، أبرزها الاضطرابات السياسية المستمرة، ضعف الاستقرار الأمني، وتراجع الاستثمار في القطاعات الاقتصادية الحيوية. كما يعاني سوق العمل الليبي من صعوبة توفير فرص عمل رسمية للشباب، الذين يشكلون نسبة كبيرة من السكان، مما دفع العديد منهم إلى العمل في الاقتصاد غير الرسمي أو الهجرة بحثاً عن فرص أفضل.
ويشدد خبراء الاقتصاد على أن استقرار ليبيا سيشكل عاملًا حاسماً في تحسين مؤشرات البطالة، داعين إلى دعم الإصلاحات الاقتصادية، تطوير البنية التحتية، وتوسيع برامج التدريب المهني لمواجهة التحديات المستقبلية.
يُعزى هذا التباين في معدلات البطالة بين الدول الإفريقية الإفريقية والعربية إلى عوامل متعددة منها هيكل الاقتصاد، مستوى الاستقرار السياسي، التنوع الاقتصادي، ومستوى التنمية الصناعية والخدمية.
ويُشير البنك الإفريقي للتنمية إلى أن القوى العاملة في إفريقيا جنوب الصحراء ستشهد نموًا سنويًا يزيد على 20 مليون شخص خلال العقد المقبل، مما يضع تحديات كبيرة على الحكومات لتوفير فرص عمل كافية وتحسين مهارات الشباب لمواكبة متطلبات سوق العمل الحديث.
ويبرز التقرير أهمية تحديث القطاعات الزراعية، تطوير البنية التحتية، وتوسيع برامج التدريب المهني كعناصر أساسية لتعزيز فرص العمل وتقليل معدلات البطالة في المستقبل.
