وصف وزير البيئة في حكومة الوحدة الوطنية، إبراهيم العربي، وضع البيئة في ليبيا بأنه “الكارثي”، وذلك بسبب الحكومات المتعاقبة لم تولِ البيئة الاهتمام الذي تستحقه.
التلوث وتأثيره
وأضاف في تصريحات نقلتها العربي 21 ليبيا تأخرت كثيرا في الاهتمام بمشاكل البيئة طيلة الأربعين سنة الماضية، رغم أن تخصص البيئة موجود في ليبيا منذ نحو خمسين سنة، وتُخرج ليبيا كوادر مؤهلة جامعية متخصصة في هذا المجال.
ولفت إلى أن ليبيا تعاني من تدهور في الوضع البيئي في كثير من نواحيه، حيث أن كل بيت في ليبيا يشكو من التلوث بجميع أنواعه التي تشمل: تلوث المخلفات الخطرة كالنفايات الطبية، وتلوث انبعاثات المصانع.
وتابع أن هذا التلوث يلقي بظلاله على صحة المواطن، مدللا على تضرر المواطنين بالزيادة الملحوظة في أمراض الأورام وأمراض الجهاز التنفسي.
تدهور التنوع البيولوجي
وقال العربي إن التنوع البيولوجي في ليبيا شهد تدهورا خطيرا في الثلاثين سنة الماضية، بسبب التعدي على الغطاء النباتي بقطع الأشجار، ما أدى إلى نقص الغطاء النباتي، حيث أن الكثير من الغابات القريبة من طرابلس، وشرق طرابلس، وحتى في المنطقة الشرقية في درنة والبيضاء، تعاني جميعها من قطع الأشجار وزحف العمران العشوائي على الغطاء النباتي.
وأضاف أن ليبيا أيضا تعاني من التعدي على الحيوانات عن طريق الصيد الجائر غير المدروس، حتى تكاد الكثير من الحيوانات أن تنقرض، بسبب استخدام أسلحة نارية ليست للصيد على الإطلاق، بل للحروب، وكذلك نظارات الرؤية الليلية، واستخدام الطيران المسير في عمليات الصيد شيء لا يتخيله العقل.
وأضاف أن تدهور التنوع البيولوجي ناتج أيضا عن الجهل وقلة التوعية، ورأى أن إعادة التوازن البيئي يبدأ من دعم وزارة البيئة، حيث يجب أن تكون هناك فرق ميدانية تغطي كامل التراب الليبي، الذي يتميز بمساحة شاسعة تناهز مليوني كيلومتر مربع، أي تعادل خمس مساحة أوروبا، وربما تفوق مساحة أربع من أكبر دول أوروبا مجتمعة.
وأكد على الحاجة لـ “ميزانيات ضخمة لتسيير فرق لمراقبة التنوع البيولوجي في الصحراء، مبينا أنه تم تحريك هذه الفرق، متوقعا ظهور بعض التحسن في 2026، حيث يمكن السعي إلى وقف تدهور الغطاء النباتي والصيد الجائر في البلاد.
رداءة مياه الشرب أو انعدامها
وأضاف العربي أن التغير المناخي، أثر على ليبيا من ناحية “التصحر وندرة المياه، ومع أن ليبيا تمتلك أحواضا ضخمة من المياه الجوفية، فإن المواطن يعاني في جميع أنحاء ليبيا من رداءة المياه المخصصة للشرب، أو ندرتها، أو انعدامها في كثير من المناطق”.
ويعتبر التلوث، هو أهم الملفات باعتباره يمس صحة المواطن، ويمس جودة الحياة، من حيث توفر مياه نقية وبوفرة، ووجود هواء نقي، لذلك بدأت الحملات تخرج من وزارة البيئة، وبدأ تفعيل جهاز الشرطة البيئية لردع المخالفين والتحقيق في أي انتهاك للبيئة، لافتا إلى أنهم لم يتمكنوا من الاهتمام بهذا الملف خلال السنوات الأربع الماضية، بسبب قلة الإمكانيات.
تغير المناخ
وقال العربي إن ملف تغير المناخ كان حبيس الأدراج؛ فهناك لجنة وطنية لتغير المناخ منذ قرابة العشرين سنة، لم تخطُ خطوة واحدة في هذا الملف، ولكن وزارة البيئة بحكومة الوحدة الوطنية قامت باعتماد اتفاقية باريس الخاصة بالملف وتم إحالتها لمجلس النواب للمصادقة عليها منذ أربع سنوات ولم يتم التصديق عليها حتى الآن .
وأضاف أن اللجنة الوطنية لتغير المناخ وصلن الى المراحل الأخيرة في إعداد البلاغ الوطني الأول، وحصر الانبعاثات على مستوى ليبيا، متوقعا (العربي) اعتماده من الوزارة نهاية الشهر الحالي أو بداية الشهر القادم كحد أقصى، ثم إحالته إلى رئيس الحكومة للاعتماد، ومن ثم سيتم تحديد المساهمات، ما يُعرف بالـ (NDC) أو المساهمات المحددة وطنيا للدولة وذلك خلال شهرين، وبهذا يكتمل الملف الخاص بتغير المناخ من حيث المطالب المفروضة على ليبيا بموجب اتفاقية باريس.
وأشار إلى أن “هناك كثير من الدول غير مستعدة حتى الآن لتلبية اشتراطات تغير المناخ، بما فيها ليبيا التي تُعدّ من أكثر الدول عرضة لتأثيرات التغير المناخي، خصوصا مع شح المياه وتراجع الغطاء النباتي والزحف الصحراوي”.
طمر النفايات النووية
وعلق وزير البيئة على ما أشيع بشأن طمر النفايات النووية قبالة السواحل الليبية، بأن “هذا النوع من الأخبار يدخل في باب الدعايات، لا نستطيع أن ننفيه بنسبة مئة في المئة، لكنه أمر صعب الحدوث، فإذا قيل إن هناك طمرا للنفايات النووية في الشواطئ، فلا بد أن أجهزة القياس ستكشف هذا الكلام يوما ما”.
وعقب: “لكننا، بالتعاون مع مركز القياسات الإشعاعية، لم نجد حتى الآن ما يُقلق أو يثبت وجود مثل هذه النفايات”، مضيفا أن “نقل النفايات النووية من أماكن إنتاجها إلى أماكن الطمر يتطلب إجراءات معقدة، وتتم عادة تحت رقابة الدول المنتجة لها”.
وأشار إلى أن الدولة تحاول قدر المستطاع التحقق من مثل هذه الشائعات أو الدعايات، “كون ليبيا دولة قد تكون مستهدفة، وربما يُستغل فتح الحدود لدينا، وقد تكون حدودنا منتهكة، ولا نستطيع أن نراقبها بشكل كامل، على الأقل منذ عام 2011 إلى هذه الساعة”.
إطلاق 72 أفعى كوبرا
وعلق العربي على إطلاق 72 أفعى كوبرا في محمية وادي الناقة بمدينة درنة من قبل إحدى الجمعيات بأنه عمل يستحق التحية، ولكن كان يجب أن يكون هناك تنسيق أكبر، بل كبير جدا، مع وزارة البيئة، كون الوزارة ممكن أن تدلي برأيها في كيفية الإطلاق من حيث إطلاقها في مكان واحد، أم في أماكن متفرقة؟
وتابع أنه “الجيد في الموضوع أن ثقافة قتل الأفاعي العشوائي، أنا ضدّها بالجملة، ولا أقبل من أي مواطن أن يقتل أي حيوان، مهما كان ضرره بالنسبة للإنسان، طالما لا يأتي إلى العمران أو منطقة التواجد البشري، بمعنى آخر، أفعى في وادٍ يبعد 8 كيلومترات على الأقل عن أي تجمع سكني، لا يبرر قتلها ولا التعرض لها”.
وأضاف أن “الوضع الأمني وانتشار السلاح، ربما جعلت كثيرا من الناس يمتهنون قتل الحيوانات، حيث أن الصيد الجائر، باستخدام بنادق أوتوماتيكية مخصصة للحروب، جعل كثيرا من الحيوانات تتعرض للانقراض”.
وتابع أن قتل الأفاعي قد يقبل في حال دخلت إلى البيوت وهددت العائلة، ولكن “نحن وزراء البيئة، وأنا لا أؤيد على الإطلاق قتل أي حيوان، مهما كان”.
الحكومات والقوانين والتمويل
وقال وزير البيئة إلى أنه على الرغم من الوضع البيئي السيئ أو “الكارثي” إلا أن “الحكومات المتعاقبة على الدولة لم تولِ البيئة الاهتمام الذي تستحقه؛ فصنّاع القرار السابقون، وربما حتى القائمون حاليا على إدارة الدولة، لم يهتموا ولم يمنحوا ملف البيئة في ليبيا ما يستحقه من اهتمام”.
وانتقد العربي عدم تحديث قانون البيئة الذي يصل عمره الآن إلى نحو 20 عاما، إلى جانب ضعف التمويل الذي يعد أحد التحديات الكبرى التي تواجه القطاع.
وأوضح أن الوضع البيئي المتدهور “ينعكس سلبا على كل القطاعات، من الصحة والتعليم إلى البنية التحتية، فضلا عن أن البيئة ليست ملفا منفصلا، بل هي في قلب السياسة والاقتصاد وكل شيء تقريبا”.
المساعدات الأمريكية
ونفى وزير البيئة “وجود مساعدات أمريكية لليبيا بصورة مباشرة أو ضخمة، كما تُقدّم الإدارة الأمريكية لبعض دول العالم الثالث الأخرى”، مضيفا أن “المساعدات الأمريكية لليبيا لم تكن في مستوى المساعدات، بل كانت “مساهمات” أكثر من كونها مساعدات”.
وتابع أن المشكلة تكمن في انسحاب الولايات المتحدة من جل الاتفاقيات المتعلقة بالبيئة، وكان على رأسها اتفاقية باريس لتغير المناخ، رغم أنها تعهدت سابقا بأن تدفع عشرات المليارات من الدولارات لمساعدة دول العالم الثالث المتضررة من تغير المناخ.
خرق أمني
وبرر العربي عدم عقد الدورة العشرين لمجلس وزراء البيئة الأفارقة في ليبيا، بحدوث خرق أمني في طرابلس، الأمر الذي تسبب في قرار سحب الاجتماع منها، إلا أن ليبيا احتفظت برئاسة مجلس وزراء البيئة الأفارقة.
وأعرب الوزير عن أمله في تمكن ليبيا من عقد قمة وزارية استثنائية في نهاية هذا العام أو مع بداية العام القادم، إذا استمر الوضع الأمني في التحسن، كما توقع أن تكون هناك مبادرة ليبية خلال الستة أشهر القادمة، سيتم تقديمها لمجلس وزراء البيئة الأفارقة، لتُدرج ضمن جدول الأعمال القادم.