طمر النفايات النووية بين التشكيك والتأكيد.. ملف يطل من جديد مع تزايد ارتفاع الإصابات بالسرطان

طمر النفايات النووية قبالة السواحل الليبية.. ملف حساس أُثير عدة مرات لكنه يدخل طي النسيان لسنوات لاحقة، قبل أن يفتح فجأة من جديد.

واليوم طرح سؤال وزير البيئة في حكومة الوحدة الوطنية إبراهيم العربي، حول معلومات تتردد حول طمر النفايات النووية في ليبيا، لكنه لم ينفي هذه المعلومات.

وقال العربي في تصريحات صحفية: “هذا النوع من الأخبار يدخل في باب الدعايات، لا نستطيع أن ننفيه بنسبة مئة في المئة، لكنه أمر صعب الحدوث”.

وأضاف “إذا قيل إن هناك طمرا للنفايات النووية في الشواطئ، فلا بد أن أجهزة القياس ستكشف هذا الكلام يوما ما، لكننا، بالتعاون مع مركز القياسات الإشعاعية، لم نجد حتى الآن ما يُقلق أو يثبت وجود مثل هذه النفايات”.

وأوضح العربي أن “الأمر ليس سهلا، حيث أن نقل النفايات النووية من أماكن إنتاجها إلى أماكن الطمر يتطلب إجراءات معقدة، وتتم عادة تحت رقابة الدول المنتجة لها”، مضيفا “إذا كانت هذه النفايات ناتجة من مفاعلات نووية، فهي في الغالب خاضعة لوكالة الطاقة الذرية، التي تعرف كمية النفايات، وإلى أين نُقلت، وكيف تُدار”.

وأكد أنهم يحاولون التحقق من مثل هذه الشائعات أو الدعايات، كون ليبيا” دولة قد تكون مستهدفة، وربما يُستغل فتح الحدود لدينا، وقد تكون حدودنا منتهكة، ولا نستطيع أن نراقبها بشكل كامل، على الأقل منذ عام 2011 إلى هذه الساعة”.

وأشار العربي إلى أن “مراقبة الحدود ليست بالأمر السهل، لدينا حدود ضخمة، طويلة جدا، وتحتاج إلى فرق هائلة للمسح، وخفر سواحل، ووسائل رقابة متقدمة، لكننا نضع هذا الموضوع نُصب أعيننا، ولا نهمله على الإطلاق.”

مجلس النواب يطالب بتجريم نقل النفايات النووية

وفي 2021 فتح وفد مجلس النواب المشارك في مؤتمر روما حول المناخ، ملف قضية طمر النفايات النووية قبالة الشواطئ الليبية، التي أثيرت على فترات متباعدة خلال العقد الماضي.

وفي هذا الصدد طالب رئيس اللجنة التشريعية والدستورية، رمضان شمبش، بـ”ضرورة اتخاذ موقف موحد حيال تجريم نقل النفايات النووية ودفنها في الدول النامية والضعيفة والبلدان التي تشهد صراعات مسلحة، وتعمد الدول الصناعية التخلص منها بطرق غير مشروعة، من خلال العمل على تصديرها إلى دول العالم الثالث، ما يمثل جريمة دولية”.

طائرات وسفن تلقي النفايات في الصحراء

من جهة أخر كان رئيس أركان القوات الجوية في الجيش الليبي العميد محمود عيسى، قد صرح بأن «طائرات مدنية وسفناً مشبوهة تلقي النفايات في الصحراء الليبية والمياه الإقليمية».

وأضاف إن هناك دولاً، لم يسمّها منها غير إسرائيل، تُلقي نفاياتها النووية في المياه الإقليمية الليبية، والصحراء الليبية جنوب البلاد؛ محذّراً من خطورتها على مستقبل البيئة وما ستنتجه من أضرار جسيمة.

وأشار عيسى إلى أن رئاسة الأركان تملك معلومات، وأدلة حول الأمر بقوله إن «القوات الجوية استطاعت تحديد مسار طائرات مدنية مشبوهة تدخل الأجواء الليبية من دون أي ردة فعل من قواتنا الجوية؛ بالنظر إلى انعدام منظومة الاستطلاع الجوي وغياب أجهزة الرادار في الجنوب الليبي، عدا عن رصد القوات البحرية أيضاً دخول سفن مشبوهة إلى المياه الإقليمية، وإلقاء حاويات تأكدنا أنها نفايات نووية».

إسرائيل تنقل النفايات عبر الصحراء

وفي السياق ذاته ذكر مركز الناطور للدراسات والأبحاث، أن إسرائيل استعانت بحركات التمرد بتشاد، لنقل النفايات النووية عبر الصحراء الليبية، وذلك ضمن سياسة إسرائيل، التي تقضى بضرورة نقل الخطر النووي بعيدًًا عن مناطق المستوطنات الإسرائيلية.

تسريبات من مفاعل ديمونة

من جهة أخرى كشف نائب رئيس قسم الشرق الأوسط في هيئة الأطباء الدوليين للحماية من الحرب النووية المعروفة ب’IPPNW’ الدولية، محمود سعادة، أن هناك تسريبات نووية من مفاعل ديمونة الإسرائيلي جنوب فلسطين باتت تهدد مناطق عربية واسعة، مشيرا إلى أن أثر تلك التسريبات وصلت للمياه الجوفية على حدود ليبيا إضافة للمياه الجوفية في منطقة تبوك السعودية، وذلك إضافة للكرك والطفيلة ومادبا بالأردن.

المافيا الإيطالية

وفي 2013 نشرت صحيفة “اندبندت” البريطانية تحقيقاً موسعاً عن وجود عصابات تابعة للمافيا الإيطالية، تتقاضى مبالغ مالية تصل إلى 20 مليار يورو سنوياً، مقابل إغراق شحنات من النفايات الخطرة في منطقة جنوب ساحل البحر المتوسط، وتحديداً ليبيا.

كما أكّد ناشط سابق في منظمة “السّلام الأخضر” ومستشار في إدارة النفايات، أن عصابات مافيا النفايات الإيطالية تُدير نحو 30% من إجمالي النفايات المتولّدة في إيطاليا، أي ما يُعادل 40 مليون طن متري في السنة.

وعدّد التقرير شواهد كثيرة على المأساة البيئية التي تعيشها ليبيا بسبب عمليات طمر النفايات النووية، التي تتم في الخفاء، ومنها ظاهرة الحيتان التي وجدت نافقة على سواحل مدينة سرت، في بداية العام نفسه، وقال إنها “أكبر دليل على تلوث البيئة البحرية بسبب إلقاء تلك النفايات”.

تونس تدفن نفايات قرب ليبيا

من جانب آخر صرح النائب التونسي الصافي سعيد السابق، في عام 2020 بأن “نظام الرئيس السابق لبلاده زين العابدين بن علي، دفن نفايات نووية في الحدود مع الجزائر وليبيا، ما تسبب في مشكلة إقليمية في المنطقة”.

وفي سياق ذي صلة قالت منظمة “إنتر برس” الإعلامية العالمية، إلى أنّ تكلفة دفن طن واحد من النفايات الخطيرة في إحدى دول إفريقيا يكلّف الدول الغنية نحو 2.5 دولار، في حين أنّ دفنه في أوروبا يتجاوز 250 دولار.

وسط هذه التصريحات التي تصب في إطار الإشارة لتلوث مساحات من ليبيا بالنفايات النووية، والتي لم يتمكن وزير البيئة من نفيها بالكامل واكتفى بالتأكيد على أنه لم يتم العثور على مؤشرات كافية للتحقق من المعلومة، يتواصل ارتفاع معدل الإصابات بمرض السرطان في ليبيا، حيث بلغ عدد المصابين المسجلين 21 ألف حالة، وذلك فقاً لتصريح رئيس هيئة مكافحة السرطان، حيدر السائح، في فبراير الماضي.

ما بين التشكيك في صحة طمر نفايات نووية في ليبيا، وبين التأكيد بوجودها، تبقى الشواهد التي يتلمسها المواطن في حياته وما يتعرض له من أمراض مؤشر يجب الاهتمام به والمطالبة بالمزيد من البحث والتقصي عن الحقيقة واتخاذ إجراءات حقيقية لحماية الأهالي.

تقرير: هدى الغيطاني