سالم العبار
(1)
الإنسان بطبعه مغرم بالأسطورة .. لأن خياله يسعى دوما إلى .. الابتكار .. والاكتشاف المستمر … ولأن الأسطورة.. تقع في عالم الغيب .. غير المدرك.. فهي جزء مهم وعميق وحميم .. من ركون الخيال.. إلى إنتاج الأشياء التي يعجز العقل عن إنتاجها .. فالعقل يبدو محنطا وقاصرا.. العقل من العقال .. وللوهم حكم في الإنسان.. شأن العقل .. بل إن له سلطانا على العقل .. غير أنه سريع الزوال لإطلاقه .. بخلاف العقل الذي هو مقيد بما استفاد .. ولهذا كان أثر الوهم في النفس .. أقوى من أثر العقل .. وكان حكم الوهم غالبا
..
ومن هنا تتسع الأسطورة للحلم .. فكثيرة هي الأساطير التي تترجم حلما غائبا .. وحين ينشط الخيال .. فإن ثمة خللا ما في الواقع .. ومن هنا تحدثت الحيوانات في ( كليلة ودمنة ) ومزرعة الحيوانات ( لجورج أوريل ) ودائما للذاكرة مثال تنسج عليه (( فسليمان عليه السلام )) يفهم لغة الطير والنمل .. كما تجد الأحلام قدرا من الأهمية .. باعتبارها تستشرف المستقبل .. ولا تقف عند وجود الواقع .. وخلال فترة ما .. سمعنا عن شجرة تتكلم .. نعم تتكلم .. تخاطب الأطفال في منطقة ( أبي زغيبة _ حي من أحياء بنغازي ) ..
كانت الشجرة واحدة من شجيرات كثيرة .. هاجمها اليباس فتعرت من أوراقها .. بالرغم من طموحها لأن تورق من جديد .. ففي أفرعها خضرة تعد بالثمر .. كان المكان بقايا مزرعة قديمة حاصرتها الأبنية والطرق .. قال الأطفال إنها تتكلم .. لكنهم لم يذكروا شيئا من كلامها .. ومن هنا فإن العقل يرفض هذه الأسطورة .. لكن لا أحد من الذين حكموا العقل يمكنه أن يجرؤ على الإساءة إليها .. لقد اكتسبت قداسة وصارت في أذهان الأطفال حقيقة تروى .. بكامل الدهشة .. وبعد فترة وجيزة بدأت الشجرة تفقد قداستها .. فكل الرجال كذبوا هراء الأطفال .. واجتثوا شقاوتهم بابتسامات ساخرة ..
وحده ذلك الشيخ المسن تحدث عن الشجرة بحماس كبير.. لا يخلو من كلمات مؤثرة .. تحدث عنها كثيرا مجندا وقاره وكامل تجربته .. لم يقل بأنها تتكلم .. لكن الحماس كان يدفعه لأن تكون كذلك أو أن تكون بأي صيغة (( شجرة مقدسة )) .. في كل يوم كان يجلس هناك .. وينظر إلى الأشجار اليابسة المتناثرة .. حتى قبل أن تحدث المعجزة .