فرج مفتاح
زعموا أن الثعلب أراد مرة أن يختطف عنقودا من العنب فأعياه أمره وأحس بالعجز عنه ٬ فارتد وهو يقول : إنه حامض !
تحقير الشيء الذى لا يستطاع إدراكه شيمة الطبائع الخسيسة في البشر .. وهو الذى أوحى إلى المشركين قديما أن يطعنوا في المؤمنين وأن يستهينوا بقيمة الدين الذي اعتنقوه قائلين : لو كان خيرا ما سبقونا إليه وإذ لم يهتدوا به فسيقولون هذا إفك قديم .
هذه الثعلبية متفشية بيننا تفشيا واسعا ٬ ما أن تبرز العمل العظيم حتى تجد نظرات البرود محيطة به ٬ فإذا أثرت حديثا حوله وجدت هذا يهز كتفيه استخفافا. وهذا يكاد يقول لك: إن كثرة مشاغلي هي التي منعتني عن أن أقوم بخير منه !
وهذا يمسح جبهته الذكية ثم يتثاءب مؤثرا البعد عن هذه التوافه .. ولولا أن عظائم الأمور تندفع بقوتها الذاتية لماتت في هذه الأجواء الخانقة إذن ماذا يخسر الناس إذا أعطوا كل ذي فضل فضله ؟ لا شيء .. ولكن اضطراب مقاييس الكفاية عندنا أدى إلى فوضى في التقدير تركت طابعها في أعمالنا وأخلاقنا .
…….. …….. ……..
إن الناس يظنون الذكاء ابن عم الإلحاد ، والغنى ابن عم الدنيا! والتجمل ابن عم التحلل .. فما يكون الدين بعدئذ إلا مرادفًا للبلى والتعفن والغباء .. وذاك ما أريد محوه من الأذهان.
…….. …….. ……..
لا يسر قلبي شيء مثل أن أرى اختفاء الجبارين, وفراغ أيديهم من أسباب البطش ووسائل الغلبة والقهر و انكشاف مواهبهم بعد زوال الحكم وزوال ما يضيفه الحكم على ذويه من مواهب فارغة !
علة هذه العاطفة شعوري العميق بحاجة الشعوب الشرقية إلى حكومات لا تعطيها حقوقها فحسب, بل حكومات تسرف في ذلك إلى حد تدليل الشعب و إشعاره النهاية القصوى في الحرية والسماحة , فإن الحكومات المستبدة القاسية , المستهينة بالدماء المستبيحة للحريات , هي في الحقيقة الجسر الممهد الوحيد الذى يعبر عليه الإذلال الأجنبي و الاستعمار الخارجي ليجد أمامه ظهوراً أوجعتها سياط الإذلال الداخلي فأصبحت ذيولاً ورؤوسا مرنت على الانحناء فأصبحت خفيضة منكسرة .