امجاور اغريبيل
غطاء أخضر يغطي مساحات بامتداد البصر، وزهور وورود تتباهى بأعناقها الطويلة وتيجانها الملونة،
ونبات الدوار ينظر بتيه وكبرياء نحو الشمس كانما يلومها على تتبعها له، وعصافير وحمائم وزرازير وكناري
وفراشات تغني دون نشاز . شعاع شمس أرجواني يصنع الدفء والضياء. وقمر في لحظة اكتمال يغري العشاق
بنسج اجمل الاشعار . هكذا بدت لي صورة بنغازي … وأنا أقرأ كتابً هنا بنغازي .
عصاميون ، مثقفون ، نساء ، رجال حملة شهادات عليا ، مهندسون ، اطباء ، جمعهم حب بنغازي فصاغوا
في غزلها اجمل الكتابات طغيان المرحلة العصيبة التي مرت بها بنغازي أثناء حربها ضد الإرهاب بدا واضحاً في كل
نصوص الأدباء. ها هي الدكتورة هنية الكاديكي في قصيدة ليست بالطويلة تحمل اسم بنغازي تقول فيها :
ستظل بنغازي الأبية عصيةً @ في وجه من رام لها التكفير
وستدمر البغي المبطن بالتقى @ فسقاً وعهراً خافيين وزوراً.
القصيدة في رثاء سلوى بوقعيقيص وقد بدأت الشاعرة هنية الكاديكي بالقول :
قتلوك يا سلوى فتب صنيعهم * قد نال خزيا دائمًا وثبورا
قتلوك يا أخت الرجال وما دروا * أن الثرى قد ضمكم محبورا.
كانت سلوى حاضرة فيما كتبته الدكتورة منى الساحلي، وإن كان بأسلوب مختلف ولغة أخرى.
كثيرٌ هو غيابك، وقليلٌ هو عزاء بلاد تشبهك.
كثيرٌ هو الحزن بسبب هذا الغياب.
فكيف يفي الحزن
لغيابك؟
اما الطبيبة هند الساحلى فقد بح الحنين على شفاهها ترقبا وكاد ان يرديه الاسى في مقتل
قصيدة جميلة لم يغب عنها مبضع الطبيب.
وتململت أحشاؤه إذ بعثرت أطرافه بين الحصى والجندل.
يا ويحه! من
ذا يلم جراحه
ويبيعه شذا بطعم الحنظل؟
الشاعر سعيد أبو حجر كان على العكس من هند الساحلي، فلم يكن لديه حنين إلى أي شيء، بل ما كان به هو أنين.
لا تأتيني يا جراحي ،
لا تبيعي
أوسمة الخلود،
اسرقي من الأيام عيدًا،
وارسمي الأعراس
في جيد الأنين.
الأديب والقاص سالم لعبار، بعد أن تعلم الكثيرون على يديه فن الكتابة، ها هو يمنحنا درسًا مجانيًا في فن الحساب.
بغتة وقف أمامي المدرس وأشار بعصاه إلى السبورة ناحية الأرقام الهندية وقال:
اقرأ.
وأشار إلى الرقم 1 فقلت: واحد.
ثم أشار إلى الرقم 2 فترددت قليلاً قبل أن أنطق: واحد ساجد.
الأستاذ الأديب محمد المسلاتي، الذي ترتبط كتاباته بصلة قوية إلى جيل العمالقة من أدبائنا، كتب نصًا بعنوان ‘الضحك والبكاء’
عن حاكم عجز كل علماء وحكماء مملكته عن إرضائه. فرجوه في نهاية الأمر أن يحاول هو إرضاء شعبه، فهي مهمة سهلة ويسيرة،
أسهل من أن يقوم كل الشعب بإرضائه.
الكتابة التي تتكيء على الرمز وتتجنب الإفصاح عن محتواها رغم غرابتها تبقى كتابة ذات دلالة متعددة بتعدد القراء واختلاف
زوايا نظرهم للنص وهذا مافعلته الكاتبتان مغلية العقوري و نعمية قوية.
الشعر الحر، الذي تحرر من قيود الشعر العمودي وفضل صناعة موسيقاه الداخلية عوضًا عن الركض خلف القافية، كان له
نصيب اقتسمه مع قصيدة النثر التي تحررت من كل شيء. رحاب شنيب ذهبت أبعد من ذلك عندما خلطت شعرها بالسكر:
أحب الشعر بالسكر،
أحبك أنت بالسكر،
أنا مجنونة النكهات،
أحب العشق بالريحان،
أحب الوطن بالنعناع،
ضع السكر،
وهات القهوة
ممتزجة بالهيل والكزبرة،
ولون كل أحلامك،
فإن غنينا للوطن
لن نكفر.
الشاعرة والروائية عائشة بازامة تعشق الوحدة بدلاً من السكر.
إني امرأة تعشق الوحدة
لأن فيها شيئاً من الحرية.
الناس قيود،
واللون والضياء
نوع من القيود.
الصمت والكلام والنوم
والبقاء والسكون
كلها أصفاد.
والفكر والتفكير كلها قيود.
الوحدة مع نفسي هي الحرية.
كتاب هنا بنغازي احتوى على اربعة وخمسين عملا ادبيا مابين مقالة وقصة وشعر فصيح مقفى وغير مقفى وشعر شعبي ولا يمكن تناول كل تلك الاعمال في هذه العجالة.
ويبقى الكتاب عملا مميزا وجهدا كبيرا يستحق كل من كان وراء انجازه عظيم الشكر والإمتنان